مقالاتاخبار مميزة

النائب مصباح دومة يكتب: وقت تصحيح الأخطاء

تمر الأزمة الليبية التي اندلعت منذ أكثر من عشر سنوات بمرحلة مهمة ومفصلية، ويمكن لنتائج هذه المرحلة أن يكون لها تأثير كبير على المدى القصير والمتوسط.

لقد شاركت في مختلف مراحل الحوار السياسي ومحطاته المختلفة في داخل ليبيا وخارجها، وساهمت رفقة كثير من الزملاء في تقريب وجهات النظر وتجاوز الخلافات والاختلافات، وفي إصدار تشريعات وقوانين كنا نظن أنها ضرورية للمصالحة الوطنية، وعلى رأسها قانون العفو العام وقانون إلغاء قانون العزل السياسي المعيب.

ومما لا شك فيه أن من سمات العمل السياسي هو الوقوع في أخطاء بالقرارات أو في تقديرات الموقف، ولكن من الحكمة أيضاً الاعتراف بها والعمل على معالجتها.

ولقد حصلت أخطاء كثيرة وكبيرة خلال هذه السنوات الماضية من مختلف الأطراف والقوى السياسية الفاعلة والمؤثرة، وكانت نتائج هذه الأخطاء في كثير من المحطات كارثية جداً، ولا زلنا نعاني من آثارها إلى الآن.

حيث إنه تختلف ظروف تكوين الدول الحديثة ونشأتها ولكل دولة ظروف خاصة بها وتختلف من دولة إلى أخرى.

ولم تكن ظروف ميلاد الدولة الليبية الحديثة بعد الحرب العالمية الثانية ظروفا طبيعية على الأقل في محيطها العربي والإفريقي، ورغم ذلك كانت ليبيا من أولى الدول الإفريقية التي استقلت بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وحققت وحدتها رغم أنها دفعت ثمنآ كبيراً وقاسياً سواء في الحرب العالمية الأولى والاستعمار الإيطالي والحرب العالمية الثانية، فقد كانت ساحة لتجاذبات وصراعات دولية كبيرة.

كانت الحكمة الأهم من موقف الآباء المؤسسين هي أنهم يريدون وطنآ قبل أي أمر آخر، يختلفون فيه وليس حوله، ورغم كل الصعوبات التي واجهتهم إلا أنهم نجحوا في فرض إرادتهم والتنازل لبعضهم، وقد ساعدتهم كثير من الظروف والعوامل الخارجية الأخرى لا مجال لذكرها الآن.

أنا من الأشخاص الذين يعتقدون أن التغيير في ليبيا له شكلان إما أن يكون تغييرا خارجيا تفرضه ظروف إقليمية ودولية معينة، ويجد قبولا داخليا، أو تغييرا داخليا يجد أرضية وطنية كبيرة تفرضه ظروف داخلية معينة ويجد قبولا ودعما خارجيا.

ويمكن القول بكل صراحة إن التغيير الخارجي فرض نفسه على المشهد الليبي خلال السنوات العشر الماضية، وكان هو المحرك الأساسي للعملية السياسية بشكل عام.

ولكن للأسف فإننا نجد أن الأخطاء تراكمت، وإنه في أكثر من فرصة حقيقية لتحقيق نجاحات نجد أن المجتمع الدولي الممثل في البعتة الأممية وبعض الأطراف الفاعلة تقع في أخطاء لا يمكن القبول بها أو تبريرها.

لا شك أن كثيرا من الأطراف الليبية الفاعلة والمؤثرة تعيد وتراجع حساباتها وترى أيضاً التطورات الإقليمية والدولية التي حصلت خلال هذه السنوات، وكيف تحولت لغة العداء والخصومات إلى لغة المصالح والتعاون، وهذا الأمر كان له انعكاسات إيجابية على كثير من النخب الليبية والقوى السياسية الفاعلة والمؤثرة التي وجدت في التواصل المباشر وتقديم التنازلات ما لا يمكن أن تقدمه عشرات المؤتمرات واللقاءات الخارجية وغيرها.

لقد شكل فشل وتعثر خارطة الطريق التي أقرها ملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف وتونس محطة مهمة في الحياة السياسية الليبية وتتحمل البعتة الأممية القسط الأكبر من هذا الفشل.

وتزامن مع هذا التعثر مستجدات دولية وإقليمية ومن أبرزها الحرب الطاحنة التي تدور رحاها في أوكرانيا.

ومما لا شك فيه أن القناعة الأهم لدى مختلف الأطراف الفاعلة والمؤثرة في المشهد الليبي أن ما حققناه من توافق وطني داخلي يعتبر تطورآ مهمآ ومفصليًا في التغيير الداخلي الذي تكون فيه الإرادة الليبية هي الأساس.

لقد قدمنا كل الدعم لخطوات البعثة الأممية من خلال مبعوثيها السابقين السيد برنارد دينو ليون أو السيد كوبلر أو السيد غسان سلامة أو السيدة استيفاني وليامز والسيد كوبيش، وفي مختلف المحطات (جنيف وتونس والصخيرات وغدامس والقاهرة) وكل الأفكار والمقترحات التي عرضت عن طريقها أو عن طريق منتدى الحوار الإنساني بجنيف، تعاطت معها الأطراف الليبية بإيجابية ومسؤولية رغم التحفظات والملاحظات التي كانت تقال عليها.

تربطني شخصيآ علاقة محترمة بالبعثة الأممية وكل الكوادر فيها ومستشاريها وأكن لهم احتراما وتقديرا كبيرا، غير أن من يدعي أن مهمته الأساسية مساعدة الليبيين على تجاوز محنتهم أو هذه الظروف الصعبة التي حلت بوطنهم لا بد أن يكون حريصاً على ما يحققونه من توافق أو تواصل بغض النظر عن كيف تحقق ذلك وأين، وإن لم ندعمه علناً فأقل شيء نراقبه ونوجه له النصح والمشورة الإيجابية، وأن لا نضع العقبات أمامه.

إن هذا التوافق بين مجلس النواب ومجلس الدولة وغيرهما من القوى الفاعلة والمؤثرة حققته الأطراف التي لم يكن أحد في يوم من الأيام يتوقع أن تجلس على طاولة واحدة، وأن تتحدث مع بعضها، وأن تقدم التنازلات المؤلمة في سبيل وحدة وطنها وتحقيق مصالح شعبه، وعجزت كل الأطراف بما فيها البعثة الأممية عن جمعها والتقريب بينها.

لا أدعي أن ما تحقق هو الأفضل ولكن الأكثر عقلانية وواقعية، وليس من السهل تحقيقه، ويمكن أن يضاف له الكثير ويشكل أرضية صلبة للمستقبل لبناء دولة المؤسسات والقانون (ليبيا الحديثة).

إنه لمن دواعي سروري أن أكتب هذا المقال ونحن مقبلون على شهر رمضان، شهر الخير والبركة، ونسأل الله أن يعود بالأمن والاستقرار على وطننا.

إنني أوجه دعوة صادقة إلى كل الأطراف الليبية الفاعلة والمؤثرة وغيرها من نخب المجتمع داخل الوطن وخارجه أن تتعاون وتتكاتف وتتعاضد من أجل العبور بليبيا إلى محطة آمنة مستقرة نتجاوز بها مخلفات وخلافات سنين الفرقة والحرب، وننطلق إلى رحاب مستقبل واعد ومشرق لشعبنا ووطننا.

حفظ الله ليبيا.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى