هل يؤثر خروج قوات «فاغنر» على الأوضاع الأمنية في ليبيا؟

قبل أيام، أعلنت مصادر مطلعة، عن انسحابات متتالية لقوات الشركة الأمنية الروسية الخاصة (فاغنر) خصوصا من مواقعها في مدينة “سوكنة” ومن الطريق الرابط بين مدينتي “ودان” و”سرت” باتجاه منطقة “الجفرة”، وهو ما جعل التساؤلات تتصاعد عن تأثير عن هذه الانسحابات على الأوضاع الأمنية في البلاد خصوصا منطقة الوسط الواقعة بين قوات الجيش الليبي في الشرق والجنوب، والمجموعات المسلحة المتمركزة في الغرب الليبي، خصوصا وأن المنطقة الغربية تعج بآلاف من المرتزقة السوريين والأفارقة الموالين لجماعة الإخوان، وهو ما يشكل معضلة أمنية خطيرة وفق وصف كثير من الخبراء.
ففي سبتمبر من العام الماضي، أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية عن انسحاب مجموعة من القوات الأجنبية المتمركزة في البلاد، تنفيذا لمبادرة إخراج المقاتلين الأجانب والمرتزقة التي أعلنتها اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) إلا أن عمليات خروج المقاتلين الأجانب من البلاد لم تتم بشكل كامل بسبب تعنت تركيا وحلفائها في الغرب الليبي وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية، وهو ما جعل عملية خروج القوات الأجنبية من البلاد تتعثر قبل أن تبدأ.
ويقول مراقبون، إن هذا الانسحاب قد يكون مقلقاً إلى حدّ ما باعتبار أن “فاغنر” هي القوة الوحيدة التي تمتلك القدرة الكافية للحيول دون وقوع الأطراف السياسية المتصارعة في حرب أهلية لا يتمناها أحد، خصوصا وأن أخبار الانسحاب تأتي بالتزامن مع تعزيز تواجد عناصر مسلحة تابعة لتركيا في ليبيا، وهذا ما أكدته العديد من الفديوهات التي انتشرت مؤخراً والتي أظهرت قدوم تعزيزات عسكرية إلى العاصمة طرابلس لدعم رئيس الحكومة “عبد الحميد اللدبيبة”.
وحول أهمية تواجد قوات “فاغنر” بالمنطقة، يقول الباحث في الشأن الليبي عادل خطاب، إنه لابدّ من الكشف عن المهام الحقيقية التي قامت بها قوات فاغنر في ليبيا في نهاية العام 2018، والتي تمحورت نتائجها حول ثلاث نقاط رئيسية، أولها المساهمة في محاربة والقضاء على تنظيم داعش الإرهابي وفروعه على الأراضي الليبية، إذ منح تأمين الوضع الأمني في ليبيا ومساعدة الخبراء التابعين للمجموعة على عودة إنتاج النفط لتطوير الاقتصاد الليبي الذي يستفيد منه ليس حفتر وحده ولكن جميع الأطراف.
ويضيف المحلل، أن ثاني هذه النقاط هو تقديم تدريبات للقوات التابعة لخليفة حفتر والقيام بعمليات الاستطلاع والتقصي، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في تسريع سيطرة خليفة حفتر على مساحات ومناطق واسعة. إذ قامت قوات فاغنر ببناء خط دفاعي بين سرت والجفرة من أجل تأمين نجاح الهدنة في ليبيا.
أما المهمة الثالثة فهي حراسة وحماية حياة سيف الإسلام القذافي، نجل الرئيس الليبي السابق الذي من الممكن أن يكون مرشحاً وسطيا يوافق عليه جميع أطراف الأزمة.
وقال إن وسائل الإعلام الإخوانية والغربية على حد سواء حولوا تشوية مهمة الشركة في ليبيا، عبر اترويج لإشاعات تقول بأنها تسعى إلى الدفع بالمشير خليفة حفتر إلى سدة الحكم في ليبيا، إلا أن الحقيقة أن الشركة كانت مهمتها تتوقف عند حماية سيف الإسلام القذافي، ولم تدخل لفرض طرف على حساب آخر وترى أن ذلك متروك للشعب الليبي.
وأكد أن وجود قوات فاغنر كقوة ثالثة في مقابل القوات الأمريكية والتركية يعني ضماناً لاستقرار ليبيا حتى الوصول إلى تسوية تنصف وترضي جميع الأطراف المتنازعة، ويعني عدم الرضوخ لرغبة أمريكا وتركيا في السيطرة على البلاد، وخاصةً في ظل السعي التركي للحصول على امتيازات فيما يخص استخدام البحر الأبيض المتوسط.
وفي المقابل حذرت تقارير إعلامية من سياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتدخلاته الخارجية، وعن اتهاماته لروسيا بدعم الجيش الوطني الليبي، بينما يدعم هو الميليشيات المتطرفة الذين لطخوا أنفسهم في سوريا بجرائم بشعة وأرسلهم لدعم حكومة الوفاق في ليبيا.
ولفت غلى أن تواجد الشركة الروسية أحدث خللا واضح وكبير في المخططات الاستراتيجية التي رسمها الغرب في الشرق الأوسط سواءً على الصعيد الاقتصادي أو السياسي، ولعلّ صمود سوريا في وجه التقسيم وحفاظها على وحدة أراضيها من أبرز الأدلة على أهمية الدور الذي لعبته قوات فاغنر في وجه المخططات الغربي.
وتابع أن قوات الشركة كان لهم دور بارز أيضا في محاربة وهزيمة المتمردين الإرهابيين في جمهورية أفريقيا الوسطى. وهذا الأمر الذي جعل دولة “مالي” ترى في عناصر “فاغنر” بديلاً أكثر كفاءة ونجاعة في حماية الأمن والاستقرار من القوات الخاصة الفرنسية التي ثبت فشلها هناك. حيث أخذت عناصر الشركة الروسية مواقعها وبدأت بتنفيذ مهامها هناك في سبتمبر 2021 بعد الثورة التي منحت الشعب المالي حريته من قيود الغرب.
وبغض النظر عما يقال عن قوات “فاغنر” فلا يمكن تجاهل حقيقة كونها قوة ضاربة تعطي الأفضلية لأي طرف تكون بجانبه. إذ سبق وأشار بعض المحللين إلى إمكانية عودة التدخلات الخارجية للتأثير في عملية التسوية الليبية، الأمر الذي جعل من انسحاب “فاغنر” يثير الشكوك حول استمرار الاستقرار في البلاد، فهل يحرك هذا الانسحاب المياه الراكدة باتجاه عملية سياسية ترضي جميع الأطراف؟.