تحقيق فرنسي يكشف كواليس إحباط عملية سرية تركية لتسليح “الوفاق”
كشف تحقيق لمؤسسة “أوبن فاكتو” الفرنسية عن عملية تزوير قامت بها تركيا تجاه سفينة شحن استخدمتها في نقل أسلحة إلى طرابلس.وقال التحقيق المفصل الذي ترجمته “الساعة 24” إنه تركيا نقلت السفينة “أنا” من ميناء طرابلس إلى مصراتة، في أعقاب غارات الجيش الليبي التي استهدفتها في 18 فبراير الماضي، وأفرغت شحنتها في 21 من الشهر نفسه.وكانت “الساعة 24” نشرت في وقت سابق جزءا من التحقيق بعد ترجمته، والذي توصل إلى خرق أنقرة قرار مجلس الأمن بفرض حظر تسليح على ليبيا، وذلك بإرسال شحنة أسلحة إلى طرابلس، على متن سفينة شحن، بعدما قامت بتغيير ملامحها واستبدال طاقمها خلال رسوها في ميناء أرسين التركي، قبل أن تستأنف رحلتها وتصل إلى طرابلس، وعقب قصف الجيش الليبي اختفت ليتم اكتشاف أنها غادرت إلى ميناء مصراتة لتفرغ حمولتها قبل أن تتوجه إلى اليونان.شركة الحديد والصلبويذكر تحقيق المؤسسة الفرنسية التي تضم عناصر استخباراتية سابقة، أن السفينة “آنا” غادرت مصراته في 24 فبراير 2020، ومع ذلك، تم تشغيل جهاز الإرسال والاستقبال الخاص بالسفينة في 8 مارس فقط، حيث أظهر السفينة بالقرب من اليونان.وأشار التحقيق إلى أن السفينة مكثت في ميناء آخر في مصراتة تابع للشركة الليبية للحديد والصلب، لمدة 12 يوما، ويستوضح ذلك من صورة عثر عليها على موقع “إنستجرام” إذ نرى على الجانب الأيسر في الخلفية هياكل السكك الحديدية للرافعة الحمراء، والتي يمكن أن نراها أيضًا على حساب الشركة الليبية للحديد والصلب على موقع “فيسبوك”.ويعود التحقيق مرة أخرى للحديث عن إعادة جهاز الإرسال والاستقبال للسفينة في 8 مارس بالقرب من اليونان، وفي رصيف السفن في إسطنبول في 11 مارس، وتوقف الجهاز عن البث في 18 مارس الساعة 18:04:46 بتوقيت غرينيتش. تشويش وتزويروبحث تحقيق المؤسسة الفرنسية فإن السفينة “آنا” غيرت هويتها في غضون أسبوع، أولاً في هيكل السفينة باسم جديد، وهو السفينة “براي”، والذي يمكننا تمييزه في صورة تم نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي في 17 مارس 2020.ويقول: يمكننا أن نرى أن قمم الأبراج قد تم طلاؤها باللون الأزرق وتم كتابة اسم “براي”، على الهيكل، وبالنظر إلى بيانات نظام تحديد موقع السفن الآلي الخاصة بالسفينة “آنا”، يمكننا أن نستنتج أن ذلك حدث بين اليوم الحادي عشر والسابع عشر، عندما رست السفينة في مكان أكثر ملاءمة للتحميل من الجانب والخلف في نفس الوقت.وعلى الرغم من عدم وجود حاويات على السطح العلوي في تلك الصورة، إلا أنها تظهر في صورة يوم 18 مارس، نشرها موظف في شركة العمليات اللوجستية للموانئ – المتخصصة في تحريك الرافعات، تبدو السفينة الآن كأنها حاملة حاويات، وليست ناقلة للركاب.ومن “آنا” إلى “براي” يكشف التحقيق عن عملية تمويه للسفينة المتورطة في خرق قرار دولي بشأن تسليح ليبيا، فيقول إن “آخر موقع “جي بي إس” ارسل من السفينة ” آنا “، كان يوم 18 مارس، الساعة 04:46 صباحًا، وفي خريطة موقع “مارين ترافيك”، يمكننا رؤيتها راسية في الميناء، ويظهر الفحص الدقيق للصور من محرك معالجة بيانات الأقمار الصناعية، موقع “سينتنيل هب”، السفينة في الميناء في نفس التاريخ”.ويتابع التحليل: “مع ذلك، في 20 مارس لم تعد السفينة مرئية في صور القمر الصناعي، على الرغم من أن نظام (جي بي إس) الخاص بالسفينة (آنا)، لا يشير إلى أي حركة، ومن المثير للاهتمام، أن سفينة أخرى تتشارك في الموقع مع السفينة (آنا)، بتاريخ 18/ 03، وهي السفينة (براي)، التي ترفع العلم التنزاني، وهي سفينة ركاب، ورقم تسيجلها (IMO 7295666)”.هنا المفاجأة التي يتوصل لها التحقيق الفرنسي، فالسفينة “براي” ليس لها سجل إبحار، ولا تظهر في أي قاعدة بيانات، وتشتمل بيانات نظام تحديد موقع السفن الآلي الجديدة على رقم جديد لـ”المنظمة البحرية الدولية”، ولكن نفس الهيكل، ما يعني أن بيانات نظام تحديد موقع السفن الآلي الجديدة تم محاكاتها أو تزويرها.ويستطرد: “في الواقع، لا يجوز أن يكون هناك رقم جديد لـ(المنظمة البحرية الدولية) لنفس الهيكل، والسفينة لديها علم جديد، لكن لا توجد سجلات للسفينة، على الرغم من وجود حاويات على سطحها، تم الإعلان عن السفينة كسفينة ركاب، وربما محاولة لتجنب جذب انتباه السفن العسكرية التي تقوم بدوريات”.ويقود هذا الدليل تحقيق المؤسسة الفرنسية إلى الاعتقاد بأن السفينة “براي” هي نفسها السفينة “آنا”، وقد قامت بتزوير بيانات نظام تحديد موقع السفن الآلي لإعطاء وهم أنها السفينة الثانية.ووفقًا لبيانات نظام تحديد موقع السفن الآلي الخاصة بالسفينة “براي”، كانت السفينة تغادر ميناء حيدر باشا التركي متوجهة إلى ميناء لافريو اليوناني في 19 مارس، ولكن بعد وقت قصير تم تحديث وجهتها إلى قابس في تونس.ومن المثير للاهتمام أن السفينة تبحر على طول الساحل التركي دون ميناء للاتصال، ويصعب تفسير هذا المسلك الغريب على حد وصف التحليل، إلا إذا كانوا يحاولون تجنب العبور عبر المياه الإقليمية اليونانية، لكن في النهاية غادرت السفينة المياه الإقليمية التركية واتجهت نحو قابس.وبتتبع مسار السفينة يتم رصد أنها في 23 مارس 2020، على بعد حوالي 166 ميلًا بحريًا من ساحل طبرق، استدارت السفينة “براي”، وعادت إلى أنطاليا بتركيا.ويتوافق هذا التغيير المفاجئ بالطبع مع ما تردد عن اعتراض فرقاطة الجيش الفرنسي “بروفانس”، لمنع السفينة من الوصول إلى ليبيا.وبحسب تقارير صحفية، فإن للجيش الفرنسي معلومات استخبارية تفيد بأن السفينة كانت تحمل أسلحة إلى ليبيا، وفي حين لم يتم إجراء أي تفتيش، تمكن الفرنسيون من إيقاف رحلة السفينة “براي”، وأعادوها إلى أنطاليا.وفي طريق العودة، رافقت السفينة فرقاطتان تركيتان، لكن تدخل الجيش التركي لا يتوقف عند مرافقة السفن المحتالة.شحنة ثقيلةويضيف التحليل: “بقيت السفينة (براي)، في محيط أنطاليا لمدة ثلاثة أيام تقريبًا، قبل التوجه إلى ميناء مرسين في 31 مارس، ويمكننا رؤيتها راسية في الميناء في 3 أبريل 2020، وتم استخدام هذا الرصيف في الماضي من قبل السفينة (بانا)، والتي رست بجانب سفينة حربية تركية رافقتها لاحقًا، ووفقًا لبيانات نظام تحديد موقع السفن الآلي الخاصة بالسفينة، فإنها غادرت مرسين متوجهة إلى أوديسا، أوكرانيا في 7 أبريل 2020”.وتشير صورة للسفينة التقطت في أثناء عبورها بحر إيجه في 9 أبريل، إلى أنها كانت لا تزال محملة بحمولة من الشحنة التي فشلت في تسليمها، لذلك يفترض التحقيق أن الشحنة كانت لا تزال تحتوي على أسلحة.ويستكمل: “في النهاية، وصلت السفينة (براي) إلى اسطنبول في 12 أبريل، ورست في ميناء حيدر باشا، ويمكن توثيق وصولها من بث مباشر مفتوح، من كاميرا في حي كاديكوي، على شاطئ إسطنبول الآسيوي، ما يؤكد بيانات نظام تحديد موقع السفن الآلي”.ويستطرد التحقيق الفرنسي: “يبدو أن الشحنة كانت قيد التفريغ في 14 أبريل 2020، ففي الصور المتوفرة، تم إنزال منحدر مؤخرة السفينة، ما يجعل من الممكن تفريغ المركبات، ولكن الحاويات كانت لا تزال مرئية على السطح العلوي للسفينة، وتظهر صورة التقطت في 16 أبريل أن السفينة قد تم تفريغها، مع عدم وجود ما يشير إلى وجود شحنة على السطح العلوي للسفينة”.خيوط الحقيقةويقودنا التحقيق إلى صور أخرى للسفينة “براي” على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يظهر رجل تركي في صورة منشورة في حوالي 15 أبريل 2020، مع وجود السفينة على يساره، وبالتدقيق في حسابه يتضح أنه يعمل في الجيش التركي، ولكن لا توجد أدلة كثيرة بشأن خلفيته.ويواصل: “مع ذلك، يمكننا أن نرى شارة على قبعته تشير إلى وحدتها: شكل الشعلة، يمكن العثور على هذه الشارة في متجر عبر الإنترنت، وتشير إلى وحدة تسمى (باكيم)، ووفقًا لموقع القوات البرية التركية، فإن وحدات (باكيم) هي وحدات صيانة مسؤولة عن صيانة وإصلاح ونقل المعدات العسكرية (الدبابات والمروحيات، إلخ) للجيش التركي”.يتمسك التحقيق بخيط آخر ليقوده إلى نفس النتيجة، إذ نشر شخص آخر صورة “سيلفي” في 15 مارس 2020، تم التقاطها في ميناء حيدر باشا في اسطنبول، قبل مغادرة السفينة “براي” إلى ليبيا، ونشر ذلك الشخص عدة صور أخرى التقطت في نفس اليوم، وفي نفس المكان، ونُشرت الصور في الساعة 2:03 مساءً من هاتفه المحمول، وكان من الممكن أن تكون إقامة قصيرة جدًا في اسطنبول، كما علق أحد أصدقائه: “يا فتى، أتيت إلى اسطنبول، فلماذا لا تخبرني؟”.يقود نفس الشخص شاحنة فورد، ربما تكون فورد ترانزيت 350، في مرحلة ما، كانت شاحنته متوقفة داخل المرآب، ليتضح أنه السطح السفلي للسفينة (براي)، مما يعني أن عمله في اسطنبول مرتبط بالسفينة.وبتتبع هذا الشخص، يتوصل التحقيق الفرنسي إلى أنه التقط صورتين عند مدخل المرآب، في مؤخرة السفينة “براي”، تبدو فيهما السفينة فارغة، كما نشر ثلاثة مقاطع فيديو “مباشرة” في 15 مارس 2020، إحداها في الصباح، واثنتان في المساء، يظهر فيها وهو يقود سيارته على طريق سريع.ويُظهر تحقيق مقطع الفيديو الأول، أن الشخص كان يقود سيارته على الطريق السريع “أوتويول 4” (المتجه غربًا، من أنقرة إلى إسطنبول)، وتوقف في مدينة دوزجي (ساعتان من اسطنبول – حيدر باشا) حوالي الساعة 11:30 صباحًا.كما يُظهر تحقيق الفيديو الثالث أنه وصل إلى أنقرة في 15 من نفس الشهر، أثناء الليل، وهو يقود سيارته على الطريق السريع “أوتويول 4″، ثم على طريق السلطان الفاتح محمد، لم يكن وحيدًا في مقصورة الشاحنة، (حيث كان هناك أناس يتحدثون في الخلفية).ويتابع: “يبدو أن هذا الشخص قام بتسليم/ التقاط بضائع أو موظفين إلى السفينة (براي)، ومزيد من البحث في ملفه الشخصي على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر أنه مرتبط بالقوات المسلحة التركية، ويقيم في أنقرة، كما يبدو من صفحته الشخصية أنه زار قصر توبكابي في 13 مارس، ومطار اسطنبول في اليوم السابق، لذلك من المحتمل أنه جاء لأول مرة في اسطنبول في 12 مارس، أي في اليوم التالي لوصول السفينة (براي)، إلى ميناء حيدر باشا”.ويتوصل التحقيق الفرنسي إلى أن هذا الشخص يتمتع بخلفية عسكرية (حيث أدى الخدمة العسكرية في أوائل العشرينات من عمره، حوالي عام 1994)، وهي تجربة يبدو أنه فخور بها تمامًا، وإلى جانب صوره وهو في أوائل العشرينيات من عمره، لا توجد صورة أخرى له بالزي العسكري، ولم يذكر أي انتماء حالي على حسابه، لكنه قد يعمل (أو اعتاد العمل) كمهندس كهرباء.وبمزيد من عمليات البحث عن هوية هذا الشخص، يتبين لـ”أوبن فاكتو” أن لديه اتصالات عديدة في القوات المسلحة التركية ووزارة الدفاع، حيث يملك أكثر من 500 صديق على موقع التواصل الاجتماعي، حوالي 80٪ منهم لا يذكرون وظيفتهم، لكن ما يقرب من نصف الذين ذكروا ذلك ينتمون إلى الجيش التركي، وقام بنشر بعض الصور الحديثة له مع أفراد بالزي العسكري.بالإضافة إلى ذلك، ينتسب عدد كبير من أصدقاء هذا الشخث إلى قسم الصيانة التابع لوزارة الدفاع التركية، فوفقًا لمنشوره على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر رجل معه في صورة، هو مدير ” 5. أناباكيم”، والتي يشير إلى المصنع الرئيسي الخامس التابع لوزارة الدفاع التركية وهو متخصص في صيانة وتطوير طائرات الهليكوبتر، بما في ذلك الطائرات الحربية.وبحسب التحقيق الفرنسي، يعمل العديد من أصدقاء هذا الشخص في مركز الصيانة رقم 45 (45.BKM)، المتخصص في صيانة المركبات المدرعةـ يبدو أن هذا الشخص يعمل أو قد عمل في القوات المسلحة التركية كمهندس أو فني.ويختتم التحقيق المسؤسسة الفرنسية بعدد من الأسئلة المعلقة بخصوص السفينة “براي”، خاصة الأفراد الذين تم رصدهم على وسائل التواصل الاجتماعي قبل مغادرتها إلى ليبيا وبعد عودتها: هل هم مرتبطون بالكامل بالقوات المسلحة التركية؟ هل كان التواجد صدفة، أم أنه يكشف عن دور القوات المسلحة التركية في التعامل مع شحنات الأسلحة إلى ليبيا؟ إذا كان الأمر كذلك، فما هي أدوارهم؟ وما الذي جرى تحميله على متن السفينة “براي”؟