الغاز الروسي يتجاوز طموحات «مشروع مارشال »

علي الفارسي- كاتب متخصص بالطاقة
فشلت المحاولات الأميركية في إقناع الدول الأوروبية لتحديد بديل عن الغاز الروسي وذلك بسبب خلافات أوروبية داخلية، وصعوبات وعوائق سياسية ولوجستية، وتنتهز موسكو الاختلال في العلاقات الدولية لمصلحتها، وتستغل الثغرات التي تتركها أميركا خلفها من آسيا الوسطى إلى القوقاز وشرق المتوسط، فيما المصالح والأولويات في الساحة الدولية باتت تحدد وفق الجغرافيا الحيوية، لا وفق ما يريده صناع القرار السياسي الدولي من واشنطن .
الغاز اليومي أصبح سلاحا جيوسياسيا مما دفع روسيا لاحتلال مكانة كبيرة لتزويد القارة العجوز بالغاز وربما المشاركة في تغيير خارطة التوجهات الأوروبية على الرغم من محاولة أمريكا من رسم صورة ذهنية تضع روسيا وتوجهاتها الاقتصادية الضخمة بنفس المسار التاريخي للصراع بين روسيا والغرب .
روسيا تنظر إلى أوروبا كونه قارة تصل حدود المتوسط أحد مكامن الغاز القادمة، أغلب احتياجات أوروبا من الغاز تغطيها روسيا عبر شبكة أنابيب الغاز التي تمر عبر أوكرانيا ولكن الكرملين وغاز بروم تمكنا سويا من تجاوز محاولة الحصار الغربي للغاز الروسي ولاعب دور أكثر فاعلية عبر :
أولا: تزويد أوروبا عبر صربيا والنمسا وبلا روسيا وألمانيا وبولندا عبر خط (يامال أوروبا )، بالتالي تخلصت روسيا من مشكلة أوكرانيا وترانزيت الغاز وحققت موثوقية لتزويد أوروبا بالغاز .
ثانيا: ما جعل روسيا المزود الأول هو استحداث وتنفيذ خطوط نقل جديدة لمناطق متعددة تصل العمق الأوروبي كخط الغاز تورك ستريم الذي يمر عبر تركيا وخطوط حيوية عبر البحر الأسود وبحر البلطيق نفذتها غاز بروم .
ثالثا: الغاز الروسي غير مكلف إذا تم نقلها عبر أنابيب نحو أوروبا على عكس الغاز المسال المستورد من أمريكا وما يترتب عليه من وقت وتكاليف نقل بحري ومخاطر .
مساعي الولايات المتحدة للحافظ على أوروبا خارج نطاق التأثير الروسي من بوابة مصادر الطاقة لم تفشل لكنه اصطدمت بعراقيل لوجستية فرضتها الطبيعة وتعارض المصالح بين دول آسيا .
لعل رفض سوريا مؤخرا لخط الغاز القطري الذي حاولت أمريكا رسم خيوطها عبر تركيا ثم أوروبا كان خير شاهد على حجم التدخل العنيف في الشأن السوري، ما يحدث اليوم من صراعات بالشرق الأوسط وشبه الجزيرة هي صراعات ليس حول منابع الطاقة فقط ولكن خطوط نقلها أيضا ومحاولة دعم تنويع مصادر الغاز نحو أوروبا أي تغيرات قادمة في المشهد بالمنطقة العربية لا يجب أن نتغاضي فيه أن فهم طبيعة خارطة الموارد الطبيعية وعلى الأقل سبل استخراجها ونقلها أيضا .
أما عن إيست ميد خط نقل الغاز بالمتوسط فقد ولد ميتا بسبب تكاليفها المرتفعة وتعارضها مع ورقة أمريكا في الشرق تركيا التي ترفض المشروع بسبب نزاعات بحرية متشعبه تبدأ من مناطق فلسطين المحتلة مرورا بقبرص واليونان ومصر وليبيا، المستثمرون ينظرون إلى الأرباح ويخشون المخاطرة.
ستفقد أوكرانيا دورها الناقل للغاز الروسي قريبا بسبب استخدام أمريكا راعي الإرهاب العالمي لهم كحصان طروادة ولكن روسيا سوف تستمر مزود للغاز نحو أوروبا لعقود حتي إذا حققت اكتشافات شرق وغرب المتوسط وفرات كبيرة، ولكن غياب الاستقرار بتلك المنطقة وحاجة استثمارات الغاز لأموال طائلة ستجعل خطط دول شرق المتوسط لتزويد أوروبا بالغاز والدخول لمنافسة روسيا وتغطية جزء كبير من الطلب الأوروبي المتزايد بسبب الصناعة والضروف الجوية هدف طويل المدي خلال العشرين سنة المقبلة.