اخبار مميزة

بعد صفعة القضاء البريطاني.. ماذا ينتظر بريش من القضاء الليبي؟

منذ تأسيسها في أغسطس عام 2006 لم تشهد المؤسسة الليبية للاستثمار صراعا على رئاستها كما شهدته عقب إنهاء حالة الانقسام التي طرأت عقب اندلاع الصراع السياسي سنة 2014، الذي ترتبت عليه العديد من المشاكل لاسيما بعد ولادة حكومتين في البلاد، وهو ما تولد عنه وتنازع حسن بوهادي، وعبد المجيد بريش على ترأّس المؤسسة والانفراد بإدارتها، خلفا لرئيسها الأسبق محسن دريج.
ولعل أهم أسباب الصراع على هذا المنصب ينطلق مما يعنيه ترؤّس مؤسسة تحوي صندوق الثروة السيادي لليبيا والذي يدير ما قيمته 67 مليار دولار، إضافة إلى استثمارات أخرى تنتشر في معظم دول العالم.
وعلى الرغم من انتهاء علاقة عبد المجيد بريش، بالمؤسسة، واستلامه تعويضا ماليا كبيرا بعد إنهاء مهامه إلا أنه يصر على العودة من جديد للتنازع في قضية رئاسة المؤسسة، بالتزامن مع بروز مؤشرات لقرارات أممية معنية بنظام العقوبات الدولية على ليبيا تطبيقا للقرار 1970 لسنة 2011، والتي ينتظر أن يتم فيها استثناء بعض أصول المؤسسة وفوائدها من العقوبات التي تجمدت بمقتضاها الأموال الليبية في الخارج.
العودة من بوابة التلاعب بالقانون
عودة بريش مؤخرا عبر نافذة القضاء البريطاني أماطت اللثام عن محصلة فساد جديدة تضاف إلى ما سبقها خلال فترة ترؤسه للمؤسسة عقب أحداث 2011 والتي شهدت حالة فساد غير مسبوق تعرضت فيه أصول ثابتة ومنقولة لعدد من الشركات والاستثمارات التابعة للمؤسسة للنهب والسرقة تحت عدة ذرائع معظمها كان ينطلق من شعارات سياسية أعقبت حالة الفوضى التي ضربت مختلف مؤسسات الدولة، وإن كانت هذه المرة تنطلق من المنافسة على العودة إلى رئاسة المؤسسة، وادعاء أحقيته عن غيره برئاستها على الرغم من أن المجلس الرئاسي الذي يمثل السلطة المعترف بها دوليا كلفت علي محمود حسن رئيسا لمجلس إدارة المؤسسة التي تدار بالأساس بمجلس إدارة لا سلطة مطلقة لرئيسه في اتخاذ القرارات السيادية في إدارة المؤسسة.
ومؤخرا أصدرت المحكمة التجارية الانجليزية في لندن، برئاسة اﻟﻘﺎﺿﻲ أﻧدرو ﺑﯾﻛر، حكما نهائيا يقضي باعتبار مجلس إدارة المؤسسة الليبية للاستثمار برئاسة علي محمود، هو الممثل الشرعي الوحيد للمؤسسة في المملكة المتحدة، بموجب القانون الإنجليزي.
صفعة القضاء البريطاني
وجاء الحكم بمثابة صفعة جديدة في وجه بريش ومن في صفه، بعد أن شكك الرؤساء السابقون للمؤسسة، بريش، ودريجة، وغيرهم، في شرعية مجلس إدارة المؤسسة الليبية للاستثمار وفي صحة تعيين علي محمود رئيساُ لها. وقد اعتمد ﻋﺑد اﻟﻣﺟﯾد ﺑرﯾش، في دعواه التي مثلت هي الأخرى حالة من حالات الفساد المستمر وفقا لوصف عاملين في سلك القضاء البريطاني الذين ترافعوا في الدعوى، على إدعاءات لا إثبات لها، فقد اعتبر أن ﺣﻛوﻣﺔ اﻟوﻓﺎق وﻣﺟﻠس اﻟوزراء ورﺋﯾس اﻟوزراء ﯾﻧﺗﮭﻛون اﻟﻘﺎﻧون ﺑﺈﺳﺎءة اﺳﺗﻌﻣﺎل اﻠﺳﻠطﺔ واﻟﺗﺻرف ﺑﺻورة ﻏﯾر ﻗﺎﻧوﻧﯾﺔ، في إشارة إلى ﺗﻌﯾﯾن اﻟﻠﺟﻧﺔ اﻟﺗﺳﯾﯾرﯾﺔ اﻟﻣؤﻗﺗﺔ اﻟﺗﻲ ﺗم اﺳﺗﺑداﻟﮭﺎ ﺑﻌد ذﻟك ﺑﺎﻟﻘرار وﻣﺟﻠس الأﻣﻧﺎء ﻟﻠﻣؤﺳﺳﺔ اﻟﻠﯾﺑﯾﺔ ﻟﻺﺳﺗﺛﻣﺎر، وهو القرار الذي صدر الحكم القضائي البريطاني لتأكيده في 25 مارس 2020.
وبالنظر إلى تفاصيل الحكم الذي أصدرته المحكمة التجارية الانجليزية في لندن، فإن القاضي أكد في النقطة 63 أن الادﻋﺎءات اﻟﺗﻲ طرﺣﮭﺎ ﺑرﯾش “ﻏﯾر ﺳﻠﯾﻣﺔ ﺑﻣوﺟب اﻟﻘﺎﻧون اﻟﻠﯾﺑﻲ”، وفي اﻟﻧﻘطﺔ 75 ذهب بريش إلى أن القانون يشترط ﺗﻌﯾﯾن ﻣﺟﻠس إدارة اﻟﻣؤﺳﺳﺔ ﺑﻛﺎﻣل أﻋﺿﺎﺋﮫ ﻓﻲ ﻗرار واﺣد ﻣن ﻣﺟﻠس اﻷﻣﻧﺎء ولا يتم تعيين الرئيس لوحده، وهو ما اعتبره الحكم مجرد عرقلة روتينية، وفي الوقت نفسه تم تعيين بريش سنة 2013 رئيسا للمؤسسة دون شمول بقية أعضاء مجلس الإدارة في نفس القرار، وهذا يعني أنه هو بالضرورة وبإقامة الحجة التي اعتمدها ضد خصومه عليه لا يملك شرعية رئيس مجلس إدارة المؤسسة حتى خلال الفترة التي كان يشغل هذا المنصب.
تضييع الوقت والمال من جديد
وتشير اﻟﻧﻘطﺔ 131 من الحكم إلى أن بريش اعتمد على إدعاءات في أعلى مستوياتها لا تتجاوز كونها مضيعة للوقت والمال، إذ اعتبر أن من الشروط الأساسية لشرعية مجلس الإدارة الجديدة هو إتمام عملية التسليم والاستلام، وهو ما لم يلتزم به هو في حد ذاته.
وجاء ضمن نقاط الحكم في ما قاله القاضي، بأن اﻟﻣﺳﺎﺋل اﻟﺗﻲ أﺛﺎرھﺎ رافعو الدعوى القضائية “ﺑرﯾش و ﺣﺳﯾن و اﻟدرﯾﺟﺔ”، ﻻ ﺗﺳﻣﺢ ﻟه ﺑالقول إن ھﻧﺎك أي ﻓﺎﺋدة ﯾﻣﻛن ﺟﻧﯾﮭﺎ ﻟﻠﻣؤﺳﺳﺔ ﻣن ﺧﻼل اﻹﺑﻘﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺣراﺳﺔ، ﻧﺎھﯾك ﻋن أي ﻓﺎﺋدة ﻟﮭﺎ ﺻﻠﺔ ﺑﺎﻟﻧزاع أو ﻣن اﻟﻣرﺟﺢ أن ﺗﻔوق اﻟﺗﻛﻠﻔﺔ واﻹزﻋﺎج اﻟذي ﯾﺿﺎف إﻟﻰ اﻟﺗﻛﻠﻔﺔ واﻹزﻋﺎج اﻟذي ﯾﻠﺣﻖ ﺑﺎﻟﻣؤﺳﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻟﺣراﺳﺔ اﻟﻘﺿﺎﺋﯾﺔ ﺑدﻻ ﻣن اﻟﺳﯾطرة اﻟﻛﺎﻣﻠﺔ ﻋﻠﻰ أﺻوﻟﮭﺎ اﻟﻣﺎﻟﯾﺔ، وهذا ما يؤكد أن الدعوى القضائية في حد ذاتها تأتي ضمن سلسلة الفساد وإهدار المال العام لخدمة مصالح شخصية دونية، أبعد ما تكون عن الصالح العام، إذ أنها ستعود على المؤسسة بالخسارة ولا يمكن أن تقدم أي فائدة حتى في حال كسب القضية وهو ما لم يتحقق من الأساس، وهو ما أكده الحكم في النقطة 187 التي بيّنت أن الادعاءات التي بنيت عليها الدعوة، ﻻ ﯾﻣﻛن أن ﺗﺑرر اﺳﺗﻣرار ﺗدﺧل اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ ﻓﻲ ﺷؤون ﺻﻧدوق ﺛروة ﺳﯾﺎدي ذي ﻗدرة ﻛﺑﯾرة ﻋﻠﻰ اﻟوﻓﺎء ﺑﺎﻟدﯾون، أو ﻓﻲ ھذا اﻟﺻدد ﺷؤون أي ﻣﺷروع ﺗﺟﺎري أو اﺳﺗﺛﻣﺎري، وﻋﻠﻰ اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟﻠﯾﺑﯾﺔ ﻟﻺﺳﺗﺛﻣﺎر أن ﺗدﯾر ﺷؤوﻧﮭﺎ اﻟﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ إطﺎر ھﯾﻛل إدارة اﻟﻘﺎﻧون 13 واﺧﺗﺻﺎص اﻟﻣﺣﺎﻛم اﻟﻠﯾﺑﯾﺔ والقانون الليبي.
واعتبر القاضي، أن بريش فشل في إثبات أحقيته في العودة لرئاسة المؤسسة، باعتبارها تقدمت وتطورت وسارت إلى الأمام بعد خروجه منها، بينما هو لايزال يرواح مكانه، وهو بذلك يريد أن يثبت أنه ﻓوق اﻟﺣﻛوﻣﺔ وﻟﯾس ﻟدﯾﮫ اﺣﺗرام ﻟﺳﯾﺎدة اﻟﻘﺎﻧون ﺑﻣﺎ ﻓﻲ ذﻟك ﻘﺎﻧون الاستثمار الذي يحكم عمل المؤسسة، إذ أنه كل ما استمر في تحركاته في هذا الاتجاه فأنه يستمر في ﺗﺑدﯾد اﻟﻣزﯾد ﻣن اﻟﻣﺎل وما يترتب عن ذلك من عواقب وخيمة على نشاط وعمل المؤسسة.
من جديد.. فساد وإهدار المال العام
وفي اﻟﻧﻘطﺔ 193 قال القاضي إنه ﺷﻌر ﺑﺎﻷﺳف رﺑﻣﺎ ﻷن اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﺟﮭد واﻟﺗﻛﺎﻟﯾف اﻟﻣﺎﻟﯾﺔ “اﻟﻣﻣوﻟﺔ ﻛﻠﮭﺎ ﻣن أﺻول اﻟﺣراﺳﺔ اﻟﻘﺿﺎﺋﯾﺔ اﻟﻣﻣﻠوﻛﺔ ﻟﻠﻣؤﺳﺳﺔ” ﻗد أﻧﻔﻘت، ﺑﻌد اﻟﺑت اﻷوﻟﻲ اﻟذي ﺗم ﻣن ﻗﺑل اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻹﻧﺟﻠﯾزﯾﺔ ﻓﻲ اﻟدﻋوى واﻟذي ﺑﯾن أﻧﮫ ﻟﯾس ﺛﻣﺔ ﻣن ﺷك ﻓﻲ ﺳﻼﻣﺔ ﺗﻌﯾﯾن ﻋﻠﻲ ﻣﺣﻣود ﻛرﺋﯾس ﻟﻠﯾﺑﯾﺔ ﻟﻺﺳﺗﺛﻣﺎر، وإذا كان هناك خطأ ما فإنه كان في تكليف بريش وحسين، وليس في تكليف محمود، وهذا ما يعني أن كل ما قام به بريش ومن معه في هذه القضية لا يعدو إلا كونه إهدارا لمزيد من أموال الدولة الليبية، وتضييعا للوقت في محاولة يائسة للعودة لرئاسة المؤسسة رغما عن القانون الذي يمنع ذلك، وكل ذلك من أجل السيطرة على ما يزيد عن المليار دولار من أموال المؤسسة غير الخاضعة لقرارات التجميد من قبل مجلس الأمن الدولي، وهذا ما يجب الانتباه إليه من قبل القضاء الليبي الذي ينتظر أن يقاضي بريش بتهمة إهدار المال العام، لا سيما إذا ما أصر على الاستئناف على حكم القاضي البريطاني، لأن ذلك سيكلف خزينة المؤسسة أموالا إضافية من استثمارات وحقوق الشعب الليبي.
السلطات الليبية مطالبة باتخاذ موقف
لعل مسلسل تحركات بريش وتاريخه الطويل في الفساد واستغلال أموال الدولة في توسيع حدود سيطرته على المؤسسات المالية والاستثمارية يجعل السلطات الليبية أمام التزام أخلاقي والتزام قانوني، لوضع القضاء الليبي أمام ما يمثله من خطر، ولوقف بريش من الاستمرار في فساده وانفراده في السيطرة على مؤسسات الدولة الاقتصادية التي يتعامل معها كوقف خاص به، ويجب على السلطات ذات الاختصاص منع المزيد من الضرر المحتمل لمؤسسات مهمة أخرى، لاسيما أنه يرتبط بعلاقة وثيقة بمحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، الذي عينه مستشارًا للمصرف الليبي الخارجي، وقد تمكن من الوصول إليه عبر معارك قضائية تم خلالها الاعتماد على نفس شركة المحاماة التي اختارها للمؤسسة الليبية للاستثمار وهي شركة اينو البريطانية.
تاريخ حافل بإهدار أموال وأصول مؤسسات الدولة
واتهم قاض بريطاني بريش صراحة بإهدار أصول وأموال المؤسسة الليبية للاستثمار، عندما تمنى أن يتوقف عن رفع القضايا التي لا طائل منها إلا الخسائر المتتالية التي يتطفل من خلالها على مؤسسات الدولة، حيث تعود على أن يعمد إلى الاستيلاء على المؤسسات واحدة تلو الأخرى أو وضعها تحت الحراسة القضائية، حيث تمكن من وضع ثمانية قضايا أخرى تحت الحراسة القضائية في بريطانيا وحدها في بضع سنوات، ويتعاون في ذلك مع ممثله لدى الحراسة القضائية علي باروني، وآخرين، الذين كلفوا الدولة الليبية مئات الملايين من الدولارات في دعاوى قضائية التي أصبحت اشبه بحالة الإدمان لدى بريش وفريقه القضائي.
ويحفل بريش بتاريخ طويل في الفساد واستغلال المنصب والوظيفة والتشبث بالكرسي، فقد كبد المؤسسة العربية المصرفية خسائر فادحة قاربت المليار دولار عندما كان الرئيس التنفيذي لها، وهو ما دعى السلطات في ليبيا عام 2008 لطرده منها، وقد تدخل صديقه بالمركزي في ذلك الوقت لإنقاذ المؤسسة من الإفلاس بمساعدة المصرف المركزي، وفوق كل هذا فقد تمكن بريش من غنم 12 مليون دولار بمثابة مكافأة نهاية خدمة. وعلى الرغم مما ذكر فقد أصر أن يمارس هوايته المفضلة برفع دعوى قضائية جاحدة على المؤسسة في البحرين وخسر القضية سنة 2012، إلا أنه استأنف فيها ثم خسرها مرة أخرى في سنة 2013.
ولعل ما يقوم به الآن وبنفس الأدوات ونفس الفريق لمواجهة خصومات شخصية للاستيلاء على مؤسسات الدولة المالية والاستثمارية، سيبقى معول هدم يكلف خزينة الشعب الليبي ملايين ما لم تكن مليارات الدولارات، في الوقت الذي تحتاج فيه ليبيا إلى كل درهم ودينار وسنت ودولار لتخرج من معاناتها.
الوسوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى