اخبار مميزةمقالات

محمد عمر بعيو يكتب.. جامعة بنغازي عودة الحياة الحقيقية وليست الوهمية

محمد عمر بعيو يكتب.. جامعة بنغازي عودة الحياة الحقيقية وليست الوهمية

لجنة الإعمار وإعادة الاستقرار.. عمل متواصل ليل نهار

 

بين ربيع 1981 حين دخلتها طالباً في كلية الاقتصاد والتجارة، وخريف 1984 حين غادرتها متخرجاً من قسم العلوم السياسية، بمعدل تراكمي وتخصصي مرتفع أي ممتاز، قضيت أجمل سنوات عمري في رحاب جامعة قاريونس (بنغازي)، التي كانت بكلياتها العديدة ومكتبتها المركزية ومرافقها وسكنها الداخلي وحدائقها وكل ما فيها، مصدر فخر للوطن كله، وليس فقط لمن درس فيها وتخرج منها، خاصةً في الحقبة التي سبقت فوضى التحول إلى ما سُمّي الإدارة الطلابية، التي خربت الجامعات، وأنهت مرحلة الإدارة المشتركة للكليات بين الأساتذة والطلاب، والتي شاركت فيها عضواً ممثلاً للطلبة ومسؤولاً عن الإعلام باللجنة الشعبية لكلية الاقتصاد، التي كان رئيسها القامة العلاّمة أستاذي الدكتور (فرحات شرننة) رحمه الله، والذي تشرفت بالعمل معه بعد ذلك بسنتين عضواً باللجنة الشعبية العامة للاقتصاد والتجارة، التي كان أميناً لها، وكم كان ذلك الراحل الكبير أميناً بالفعل، نزيهاً شريفاً عفيفاً، أين منه مسؤولو الزمن الذي تلاه، أما زماننا هذا فلا وصف له إلاً أنه زمن الحضيض، زمن حكم وسلطة اللصوص والمجرمين والخونة والفاسدين والفاسقين.

دأبتُ بعد تخرجي على زيارة جامعة قاريونس وكلية الاقتصاد، ثم جعلتني شواغل الأيام أنقطع عنها، وإن ظلت الذكريات والمكان راسخةً في الوجدان لا يمحوها الزمان، ولم أدخلها إلاّ يوم الاثنين 30 مايو 2022، وليتني ما دخلتها، فقد كانت جامعتي المزدهرة الجميلة، قد تحولت إلى حطام وخرائب وأطلال، بسبب الحرب التي عاشتها وعانتها بنغازي الحبيبة منذ 2014، حتى تحريرها بعد ثلاث سنين عجاف، تركت جراحاتها الغائرة وندوبها العميقة على جسد بنغازي البديع ووجهها الجميل، ونالت جامعة قاريونس نصيباً كبيراً من آثار ونتائج القتال الشرس، الذي خاضه الجيش الليبي مدعوماً بالشعب، ضد العصابات الإرهابية التي تمترست بالجامعة، وحولتها إلى ميدان قتال، ولم تستجب لنداءات الخروج منها والابتعاد عنها وتحييدها، باعتبارها مرفقاً علمياً إنسانياً، وليست معسكراً ولا قاعدة، وهل كان لأولئك الإرهابيين المتأسلمين أن يعترفوا بقيمة العلم وعلمائه ومعالمه، وقد كان أول ما فعلوه حين سيطروا على جامعة بنغازي أن أحرقوا كلية الآداب، لأن فيها أقسام اللغات الأجنبية، التي يعتبر الإرهابيون الظلاميون تعليمها كُفراً بَواحاً، وأحرقوا كتب ومراجع المكتبة المركزية، وأتلفوا الملفات والمستندات، ولم يسلم من خرابهم مكان في جامعتي الحبيبة، فكأنهم مغول وتتار العصر الحديث، وكأن قاريونس بغدادَ الزاهرة قبل أن تدوسها أقدام الغزاة القذرة.

بكيت حيث دخلت جامعتي الحبيبة، وزرت كليتي العريقة والمكتبة المركزية والإدارة العامة للجامعة، التي كانت شهيرة بقبّتها الذهبية المتموجة البديعة، وجميعها مدمرة، إلا بعض أقسام في كلية الآداب وبعض الكليات عادت إليها الروح قليلاً، بعد إجراء صيانات بسيطة على أجزاء صغيرة بإرادة كبيرة.

بكيت يومها مرتين، مرةً على الدمار الذي لا تستحقه جامعة قاريونس، ومرةً أخرى على الإهمال في صيانتها، رغم مرور نحو 5 سنوات على تحريرها وعودة الأمن والأمان إلى بنغازي، فالحكومات المتعاقبة التي أنفقت وأهدرت مئات المليارات، لم تخصص ملياراً واحداً لإعادة إعمار جامعة قاريونس وبنغازي عامةً، بل لم تعمل حتى على إزالة الحطام، وقد كان ذلك التجاهل المقصود والمتعمد عقاباً للعصية بنغازي، على انتفاضاتها الوطنية ضد حكم عصابة الإخوان وحلفائهم المتأسلمين والدواعش، وانتقاماً منها مدينةً ومواطنين وجامعةً لأنها ثارت وثأرت للوطن كله من الإرهاب وداعميه في الداخل والخارج.

يوم الأحد الماضي 5 فبراير وبعد عودتي من مدينة الكُفرة إلى بنغازي، وكنت بصحبة الصديق الإعلامي وأستاذ التاريخ (علام الفلاح)، دعاني السيد (أبوالقاسم خليفة حفتر)، لزيارة الجامعة والإطلاع على ما يجري من أعمال صيانة شاملة وإعادة إعمار، بدأتها قبل أيام قليلة {لجنة إعادة الإعمار والإستقرار} بمدينة بنغازي، والتي يرأسها الشاب الوطني (حاتم العريبي)، إبن رفيقي في الدراسة الثانوية والجامعية أخي علي العريبي، وقد سرّني وأثلج صدري ما وقفت عليه ورأيته رأي العين، من عمل جبّار تقوم به لجنة إعادة الإعمار والاستقرار، وما سمعته من شروح وتوضيحات عن المشروع الشامل لصيانة وإعمار جامعة بنغازي، والمُدد الزمنية الدقيقة المحددة لإنجاز الأعمال ثم التجهيزات، والتي لا تتجاوز بضعة شهور، وقد لا ينتهي هذا العام 2023 بإذن الله إلاّ وجامعة بنغازي العريقة، عادت كما كانت بل وأجمل، وبتكاليف لا تبلغ جزءً بسيطاً من مليارات حكومة الدبيبات، التي أهدرتها في أُكذوبة برنامج عودة الحياة، ذلك أن الفرق ليس فقط في السرعات بين لجنة صغيرة يديرها شباب مخلصون، وبين سلطة كبيرة سطت عليها ذئاب وضباعٌ لا يشبعون، بل إن الفارق يكمن في أشياء أخرى أولها وأهمها الانتماء إلى لــيـبـيــا، باعتبارها عند الوطنيين قيمة، بينما هي عند الخونة الفاسدين غنيمة.

بـنـغـازي الحبيبة.. ألف تحيةٍ لكِ، فمنك الإشارة وأنتِ البشارة بميلاد لــيـبـيــا الدولة الوطنية القوية، وقريباً بإذن الله تجمعنا جامعة بنغازي العامرة، لسنا طلاّباً هذه المرة، بل عشاقاً مخلصين، جمعتنا القلوب، ولم تفرّقنا الدروب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى