ميلوني في طرابلس.. ما أشبه الليلة بالبارحة !

مصطفى الزائدي يكتب:
عام 1911 بعد سنوات من توحيدها بحثت إيطاليا إلى مناطق توسع أسوة بالدول الأوروبية فلم تجد سوى ليبيا الخاضعة شكليا لسلطة الإمبراطورية العثمانية المريضةً، و هضبة إثيوبيا .
فأرسلت المستكشفين، وأقامت مراكز اقتصادية وفتحت بنك روما في طرابلس ، ولم تنظر طويلا حتى أرسلت قوات مسلحة ضخمة هاجمت المدن الساحلية الليبية في 7 اكتوبر 1911 ، بتواطؤ تركي حيث سحبت الامبرطورية جنودها وتركت الليبيين العزل يواجهون مصيرهم !
لكن الليبيين لم يقبلوا ذلك وانطلقت حركة مقاومة عنيفة استمرت حتى عام 1931 حيث نجح الطليان في قمع المقاومة ، واجلوا اغلب السكان واحضروا مئات آلاف المستوطنين الطليان في محاولة بائسة لتحويل ليبيا إلى شاطئ رابع يقطنه طليان ، فلقد كان الاستعمار الايطالي لليبيا استعمارا استيطانيا ولم يكن مجرد احتلال عسكري !
بنت إيطاليا المدن الليبية على طراز المدن الايطالية وسمت شوارعها بأسماء طليان ، وأنشأت اضخم كاتدرائيتين في أفريقيا في كل من طرابلس وبنغازي وفرضت الايطالية لغة رسمية ومنع الليبيون من التعليم .
لكن الحرب العالمية الثانية وتمحور إيطاليا مع ألمانيا أحدثت وضعا مختلفا قاد الى منح ليبيا استقلالا تحت السيطرة الانجليزية !
بعد ثورة الفاتح 1969 قامت السلطة الوطنية باجلاء المستوطنين الطليان واعادت الأملاك إلى أصحابها قبل مرحلة الاستعمار ، ورغم محاولات ايطاليا لتطبيع العلاقات مع ليبيا الان السلطة الليبية اشترطت الاعتراف بجرائم الاستعمار والاعتذار عنها وتعويض الليبيين على الأضرار التي لحقت بهم من جرائها ، ولم يتحقق ذلك إلا في بداية القرن الحالي ، حيث وقع برلسكوني والقذافي اتفاقية تاريخية عام 2008 اعترفت فيها إيطاليا بجرائم الاستعمار واعتذرت عنها وقبلت دفع تعويضات وصلت الى خمسة مليار دولار وتنفيذ مستشفيين وطريق ساحلي من راس جدير حتى امساعد !
لكن ايطاليا والدول الغربية وجدت في سقوط الدولة وانتشار الفوضى بعد 2011 فرصة للتدخل في ليبيا ، فأرسلت قوات الى مصراته وطرابلس ، واحتضنت مليشيات مسلحة تعمل لحسابها ومارست الابتزاز مع كل السلطات الهشة والمرتبطة اصلا بالمنظومة الغربية
حيث ليبيا دولة هشة مؤسساتها ضعيفة غير مستقلة تخضع للوصاية الدولية وتدار من قبل موظفين صغار في سفارات الدول المتدخلة في الشأن الليبي ، لتحقيق مصالح دول أجنبية معادية، وتوظف ليبيين قاصرين و طامعين لتأمين تلك المصالح ورعايتها ، يجري ذلك في العلن وعلى الهواء ودون مواربة، من أجل ذا التمهيد يمكن فهم خفايا زيارة جورجينيا ميلوني الى طرابلس والاتفاقيات التي وقعتها مع حكومة دبيبة المغتصبة للسلطة ، يرى الليبيون انها عطايا من لا يملك الى من لا يستحق .
هذه الاتفاقيات جزء يسير من عملية بيع كبرى لليبيا ومواردها بأثمان بخسة! ولقد سبق هذه الاتفاقية أخرى وقعت مع تركيا حول المياه الاقتصادية لليبيا في منطقة شرق المتوسط.
الاتفاقية التي وقعت أول أمس مع اليمينية المتطرفة «جورجينيا ميلوني» رئيسة الحكومة الإيطالية حول الغاز وزيادة نسبة شركة «إيني» بالمخالفة للقوانين الليبية وللاتفاقية السارية، وفي غياب وزارة النفط السلطة السيادية المخولة بإدارة القطاع والحفاظ على حقوق الليبيين فيه، هي أيضا قمة جبل الجليد !
فلقد سبق وأن وقعت الحكومة المغتصبة للسلطة عدة اتفاقيات مشبوهة مع دول أجنبية، ومن أخطرها الاتفاق مع إيطاليا وفرنسا على توطين المهاجرين في مثلث مرزق بالجنوب الليبي حسب الخطة الاوروبية التي اوضح بعض ملامحها رئيس وزراء المجر في وقت سابق ، الأوروبيون يتوقعون ان يصل عدد المهاجرين الى أوروبا بحلول عام ٢٠٣٥ الى سبعين مليون وهو رقم مزعج لهم ،
كما تدرو معلومات في الخفاء بأن السيدة ميلوني تسعى للحصول على اموال ليبيا من مدخل تعويض الطليان الذين طردوا من ليبيا 1970 وأعيدت أملاكهم المغتصبة إلى أصحابها الحقيقيين، بالرغم من قبول إيطاليا بمسؤوليتها عن فظائع الاستعمار ضد الليبيين واعتذار مجلس النواب ورئيس الحكومة الإيطالية علنا عنها، وموافقتها وتعهدها بتعويض الليبيين عن ما أصابهم أثناء مرحلة الاستعمار !
في هذا الإطار يمكن قراءة السعادة الغامرة على وجه ميليوني وهي تتأبط عبدالحميد دبيبة فلقد حققت اشياء لم تكن ولا في الخيال وهي اعادة فتح الاتفاقية الخاصة بالغاز مع شركة ايني الموقعة 2008 وتوقيع اخرى بديلة رفعت نسبة حصة ايني بشكل كبير ومنحت لها رخصة مفتوحة لاستغلال الغاز الليبي بدون ضوابط ، .
للاسف من يتربع على هرم السلطة في ليبيا وصل بالفساد ومن خلال خزعبلات استيفاني ويليمز المبعوثة السابقة لليبيا ، وهم لا يستحون من قول أو فعل أي شيء، لأنهم لو كانوا يضعون ميزانا للقانون ولا ديعي ون اهتماما لمصالح الشعب ولا حتى للتاريخ !
السؤال ما العمل؟
هل نكتفي بالمشاهدة في وضع الصمت التام، أم أن هذه الخطوات المتسارعة لبيع الوطن وتدميره وهدم أركانه، تفرض علينا أن لا نضيع وقتنا في الاستهجان والاستنكار؟
إن ما يدبر في الكواليس أمور خطيرة جدا، وهي امتداد للمؤامرة الدولية ضد بلادنا، الجديد فيها هو التفاهم التركي الطلياني حول ليبيا وعلى حساب مستقبلها وربما وجودها كجغرافيا وسكان، فكلتا الدولتين تحملان حقدا على الليبيين الذين واجهوهم أثناء استعمارهم لنا، وفرضوا عليهم علاقات تقوم على الندية بعد الاستقلال، وكأننا عدنا إلى مربع عام 1911 عندما تفاهمت الإمبراطورية العثمانية المتهالكة والحكومة الإيطالية على تسليم ليبيا لإيطاليا الاستعمارية وترك الليبيين العزل يواجهون مصيرهم، فما أشبه اليوم بالبارحة !!
الغاز الليبي اليوم هو الرابط الأهم بين الترك والطليان، والعملية بالنسبة لهم ليست صعبة في وجود شخصيات كارتونية اغتصبت السلطة في ليبيا بدعم تركي طلياني في وقت ما، وتعبث بليبيا برعايتهما، وبحماية القوات الإيطالية والتركية التي تدنس أجزاء غالية من ليبيا حاليا !
هكذا يمكن أن نفهم السعادة البال.