ياسين عبدالقادر الزوي يكتب: تونس بعد استفتاء قيس سعيد

كانت الشقيقة تونس مع حدث مهم يوم 25 يوليو الماضي، ذكرى الاستقلال، وهو الموعد المحدد لإجراء الاستفتاء على الدستور الجديد الذي وضعته لجنة مختصة مكلفة من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد عوض عن الدستور السابق.
ويعتبر الاستفتاء على الدستور هو المحطة الأهم في جملة التدابير الاستثنائية وخارطة الطريق ألتي أطلقها الرئيس قيس سعيد، بعد أشهر من إصداره لهذه التدابير الاستثنائية قبل عام، والتي جمد بموجبها مجلس النواب، ثم حله وشكل حكومة جديدة، وأصدر العديد من القرارات الهامة التي فاجأت الجميع.
كان نجاح عملية الاستفتاء ونسبة المشاركة هامة جدا خصوصا مع حالة الاستقطاب التي تشهدها تونس بين مؤيد ومعارض لهذا الاستفتاء.
إن وضع دستور جديد في ظل هذه الأوضاع في تونس كان قرارا كبيرا جدا من الرئيس، وهو يشير بشكل كامل إلى قطيعة مع المرحلة السابقة.
لقد كان التحدي كبيرا بالنسبة للرئيس قيس سعيد، فهو يعرف أنه بنجاح هذا الاستفتاء واعتماد الدستور الجديد يكون قد تجاوز العتبة الأهم في مشروعه الذي أطلقه لتغيير النظام السياسي في تونس.
مصادر إعلامية كثيرة ذكرت أن هناك عمليات خرق أو تجاوز في بعض الجوانب لهذه العملية، لكن لم تحدث أعمال عنف أو أو أشياء يمكن أن تنعكس على شكل الاستفتاء، وأغلب المنظمات والهيئات المراقبة أشادت بنجاح هذه العملية رغم أن نسبة المشاركة لم تكن كبيرة جدا، وهي بالمناسبة مشابهة لنسبة المشاركة في آخر انتخابات جرت في تونس.
وفي المقابل أطلقت جبهة الخلاص الوطني وهي تمثل تحالفا بين حركة النهضة وبعض القوى السياسية حملة رفض ومقاطعة ضد هذا الاستفتاء، واستخدمت مختلف الوسائل للتشكيك فيه من مختلف الاتجاهات.
ومن المؤكد أن نتيجة الاستفتاء ونجاح تنظيمه صبت جميعها لصالح الرئيس قيس سعيد الذي باعتماد نتيجة الاستفتاء، وهذا الدستور الجديد يكون قد تجاوز المرحلة الأصعب في قيادته لمشروعه لتغيير النظام السياسي في تونس من برلماني إلى رئاسي.
ينظر كثير من المتابعين للشأن العربي والإسلامي لحركة النهضة التونسية أنها النمودج الأكثر تميزا على مستوى قيادتها وتنظيمها في الأحزاب والحركات الإسلامية.
ولقد حققت النجاح في أكثر من مناسبة السنوات الماضية وساعدتها ظروف تونس وتنوع الحياة السياسية فيها على نسج تحالفات متناقضة تؤدي كلها إلى أن تمسك حركة النهضة بمقاليد الحكم في تونس.
وبعد وفاة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي ظن الجميع أنه لا يوجد شخص في تونس يمكنه أن يكون عقبة أمام النهضة وقدرتها على السيطرة على الحياة السياسية في تونس.
وظهور شخص يقوم بما قام به قيس سعيد ضد النهضة وباقي الأحزاب الأخرى كان مجرد حلم أو أمنية.
ومن مفارقات القدر ان حركة النهضة كانت تعتبر الرئيس قيس سعيد مرشحها وهو ابن الثورة وليس من منظومة فساد الرئيس الراحل بن علي.
يتحامل قادة حركة النهضة الآن في وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من قنوات عربية ودولية وصحافة على بعض الدول العربية، ويتهمونها بالتآمر على تونس وينشرون نظرية المؤامرة بين أتباعهم، وأن الرئيس قيس سعيد هو صناعة هذه الدول وغيرها من أقاويل أخرى.
لا تستطيع حركة النهضة أن تتهرب من إخفاقها سياسيا وأنها كانت في تراجع مستمر السنوات الماضية، وكانت تمارس أبشع أنواع البراغماتية السياسية مع النخب والأحزاب التونسية، وتعرف حركة النهضة وقيادتها أنه في ظل عدم وجود نظام برلماني، فإنه من الصعب عليها السيطرة على مقاليد الحكم في تونس.
لقد وجه الرئيس قيس سعيد ضربة إلى كثير من النخب السياسية والأحزاب في تونس حتى من أيدت في البداية التدابير الاستثنائية ثم تحفظت عليها، وظهر للجميع أن هناك حقيقة في تونس لم يصدقها كثيرون، هي أن المجتمع المدني أقوى من المجتمع الحزبي، فهناك أربع منظمات مهمة في تونس وهي اتحاد الشغل واتحاد الصناعة والتجارة وهيئة المحامين ورابطة حقوق الإنسان لها قوة كبيرة جدا، ومؤكد أن الإضراب الذي أعلن عن الاتحاد التونسي للشغل وشل الحياة في تونس أكثر أهمية من كل اجتماعات جبهة الخلاص الوطني.
لقد تعود الشعب التونسي على وجود قيادة حقيقية توجه السياسة العامة للبلد منذ قرون من الأسرة الحسينية وحكم بايات تونس السابقين إلى المجاهد الأكبر بورقيبة إلى بن علي، ويعتبر التونسيون مقام الرئاسة كبيرا جدا مثل اعتزازهم بعلم تونس الذي يقارب وجوده 200 عام.
لقد ارتكبت حركة النهضة الأخطاء وراكمتها طيلة السنوات الماضية، ولعبت بمقام الرئاسة في مقابل نسخة برلمانية مشوهة، لم تستطيع السيطرة عليها مؤخرا.
لا يعني اعتماد الدستور الجديد صكا مصدقا أو على بياض للرئيس قيس سعيد لكي يقوم بما يريد، وما قام به طيلة العام الماضي وافق هواء منظومة الحكم التقليدية والمؤسسة العميقة في تونس التي استطاعت بالالتفاف على الرئيس قيس سعيد إعادة إنتاج المشهد من جديد بأقل الأضرار.
وأمام الرئيس قيس سعيد مجموعة من التحديات على رأسها التحدي الاقتصادي الذي يجب أن تكون فيه خطوات إصلاح حقيقية ملموسة تمس شريحة كبرى من التوانسة، وفتح الباب أمام الاستثمار الأجنبي، وتعديل القوانين لاستقطاب رؤوس الأموال العربية قبل غيرها.
ويجب أن تكون هناك قوانين انتخابية جيدة يمكنها أن تسمح بمشاركة أوسع للشعب التونسي، وتساعد على إفراز نخب سياسية تزخر بها الشقيقة تونس.
إن وجود حزب أو حركة أو تيار جديد داعم لسياسات الرئيس لن يكون أمرا سيئا خصوصا أن الدستور الجديد يعطي مساحة لا بأس بها للأحزاب ودون أن يتغول الحزب على الحياة السياسية.
لقد أعطى التونسيون تقتهم للرئيس قيس سعيد، وهذه حقيقة ورأى كثير منهم أنه يمكن أن يكون الشخص القادر على بناء نظام سياسي جديد ومؤتمن عليه، وهذا سر قوته ولقد اكتسب قيس سعيد التقة وساعدته الظروف الدولية الحالية وانشغال العالم بأزماته المختلفة وضعف الحراك المناوئ له على فرض رؤيته ومشروعه السياسي.
منذ عام مضى وصبيحة التدابير الاستثنائية كتبت مقالا عن تونس وتنبأت فيه بنجاح هذه الإجراءات، وأن الرئيس قيس سعيد سوف يتمكن من الانتصار في هذه المعركة، ولن يقبل بأقل من النظام الرئاسي.
وها هو يتحقق ما توقعت رغم تشكيك عديد الأصدقاء والمتابعين.
نسأل الله أن يحفظ تونس ويدوم عليها الأمن والاستقرار.