مستشارو المحكمة العليا لـ«النواب»: مقترحاتكم إهدار لاستقلال القضاء وحياده
وجه عددٌ من مستشاري المحكمة العليا وأعضاء جمعيتها العمومية مذكرة عرض، لرئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح وأعضاء مجلس النواب تعليقًا على جلسة أمس الإثنين، فيما يخص نظام عمل المحكمة والشأن الوظيفي لمستشاريها.
وجاء في نص المذكرة، الذي اطلعت «الساعة 24» على نسخة منها، أن المستشارين بينوا أنه “من خلال متابعتنا لجلسة مجلس النواب اليوم 24/5/2021 أثار انتباهنا بعض الملاحظات على ما عرض بالجلسة ويتعلق بنظام عمل المحكمة والشأن الوظيفي لمستشاريها والتي من شأنها النيل من حسن سير العمل بالمحكمة وإهدار لضمانات استقلال القضاء وحياده”.
وتابع؛ “وكذلك مخالفة مقترحات رئيس المحكمة العليا الحالي للمبادئ العامة الحاكمة ومنها الشفافية والأصول المهنية المستقرة على نحو يؤدي بإقرارها من مجلسكم الموقر إلى آثار مباشرة وغير مباشرة تؤثر سلبا على طبيعة العمل وضوابطه المستقرة عدة عقود دون مبرر”.
وأردف نص المذكرة، أنه “وحيث أن مجلسكم الموقر أجل عرض ما انتهت إليه الجمعية العمومية للمحكمة العليا من إختيار مرشح واحد لها ليتولى منصب رئيس المحكمة العليا، وقد راعت الجمعية في عملها سائر الضوابط المستقرة عمليا ومهنيا واحترام مبدأ الشفافية وتكافؤ الفرص، في حين أنه استعرض مقترح الرئيس الحالي بشأن تعيين مستشارين بالمحكمة العليا وعددهم تسعة وثلاثون عضوا ،وكذلك استعرض مقترح تعديل المادة 14 من قانون المحكمة العليا المتعلقة بموضوع التقاعد”.
وواصلت المذكرة موضحة عددًا من الملاحظات؛ “أولا: مقترح تعيين مستشارين بالمحكمة العليا وعددهم تسعة وثلاثون مستشارً، لقد جاء مقترح الرئيس الحالي لاحقا لقرار الجمعية و بعد خسارته ثقة الجمعية العمومية للمحكمة العليا في ترشحه رئيسا لفترة ثانية”,
ولفتت إلى أن هذا “ما يجعل الترشح مفتقرا للدقة والمصداقية وجاء مشوبا بعدم الشفافية، ونتاج عمل فردي لا يراعي مصلحة المحكمة ،حيث أن المقترح وصل مجلس النواب دون دراية أعضاء الجمعية العمومية ولا حتى اطلاعهم عليه في حين أن الجمعية العمومية قد قررت سابقا وتحت رئاسته أن يكون الترشح بمعرفة الجمعية وعن طريقها ضمانا لحسن الاختيار” .
وبينت المذكرة، أن “توقيت هذا الترشح يلقي بظلال الشك نحو سلامة الإختيار وتوخي الموضوعية والضوابط والمعايير اللازمة لذلك, ولم يتم توضيح الآلية التي تم على أساسها الاختيار ليتمكن السادة النواب من تحري الدقة في التعيين”، مشيرة إلى أن “المقترح خلا من إرفاق السير الذاتية للمترشحين حتى يتمكن صانع القرار من تبيان أسباب قبوله أو رفضه للقرار “.
وأكدت المذكرة أنه ” نما أيضًا إلى علمنا أن بعض المترشحين تجاوز سن التقاعد وتم التمديد له وهو ما لا يجوز معه التعيين كمستشار في المحكمة العليا ،وهناك من المترشحين من سيبلغ سن التقاعد قريبا ويحتاج للتمديد من قبل الجمعية العمومية بمجرد تعيينه”.
وأكملت المذكرة توضيح أن “مقترح الترشيح لا يحمل رقما اشاريا ولم يسجل بسجلات المحكمة مما يجعله عملا فرديا لا يمكن نسبته إلا لشخص الموقع عليه وهو ما يتنافى مع الأصول الإدارية المستقرة والتي ترعاها هذه المحكمة في أحكامها على سائر جهات الإدارة وتخالفها هي اليوم”.
وقال المستشارون في مذكرتهم أن ” أعضاء الجمعية كانوا قد اتفقوا في السابق على ترشيح المميزين من نيابة النقض ضمانا لحسن سير العمل آخذين في الإعتبار الطابع الخاص لعمل المحكمة العليا وها هو يهدر اليوم من خلال الترشيح المعروض، ومن جهة أخري فإن إحتياج المحكمة لا يزيد عن عشرين مستشارا وأقره رئيسها والان يقترح بشكل فردي تسعة وثلاثون مستشارا مما يؤكد عدم سلامة الإختيار وخروجا عن الضوابط الموضوعية بالخصوص”.
وتابعت المذكرة، “وأما فيما يخص المقترح المتعلق بتعديل المادة 14 من قانون إعادة تنظيم المحكمة العليا وتعديلاته فإننا نسجل الملاحظات التالية: 1.مخالفة نص المادة 51/2 بند ب بإعتبار أن البث في هذا التعديل هو إختصاص مانع للجمعية العمومية للمحكمة العليا دون غيرها في حين أن هذا التعديل لم يعرض عليها “.
وأكملت؛ ” 2.لم يراعِ هذا التعديل الأصول المهنية والوظيفية المستقرة حيث جعل سن التقاعد سبعون سنة ميلادية ويحق للمستشار المتقاعد التمديد إلى سن السابعة والسبعين سنة ميلادية وهو ما لا يمكن استيعابه ولم يعمل به في سائر الأنظمة القضائية ولا يمكن له تحقيق أي فائدة تذكر لمصلحة العمل ،فلقد التزمت المحكمة نظاما إداريا بديعا منذ باكورة انشائها يهدف إلى نقل الخبرة إلى الرعيل اللاحق كضمان للاستمرار والعطاء وهو ما يخرقه التعديل المقترح ويفوت الفرصة علي القدرات الشابة ويقتل فيهم الطموح والتنافس الشريف”.
وفي الملاحظة الثالثة أوردت المذكرة؛ ” 3. أن العمل القضائي عموما وقضاء النقض خصوصا يحتاج إلي بذل جهد وعناية كبيرة لا تستقيم مع يهدف إليه هذا التعديل”، لافتة في الملاحظة التالية إلى أن “4.هذا التعديل يمس حقا أساسيا للمستشار العامل برفع سن تقاعده إلى السبعين سنة دون استطلاع رأيه مما يكرس للنيل من الحقوق الوظيفية خدمة لمصلحة البعض ممن له الرغبة في الإستمرار فلا يجوز بحسب الأصل إهدار حق لأجل تحقيق منفعة.
وفي الملاحظة الأخيرة أكدت المذكرة على أن “5. المقترح أعطي للدوائر مجتمعة صلاحية البث في بعض الشئون الوظيفية وهذا ما يؤكد عدم تأسيس التعديل علي أسس فنية بل فيه مخالفة صريحة لما استقر عليه العمل الوظيفي، ذلك أن الدوائر مجتمعة هي دائرة من الدوائر تختص بإزالة التعارض بين أحكام المحكمة العليا الصادرة عن دوائرها ،ولم يعطها المشرع أي اختصاص إداري ولو حتي في التشريعات المقارنة “تونس ،مصر ، الجزائر ، المغرب …إلخ”.
وعقب المستشارون في مذكرتهم، على أن “الدهشة والإستغراب كبير فما هي الحاجة الملحة التي تجعل مجلسكم الموقر يناقش مقترحات تنال من الأصول المستقرة والمباديء الحاكمة، وهو من يرفع لواء الحرص على استقرار السلطة القضائية واحترام الفصل بين السلطات ،فإن من شأن إقرار هذه المقترحات المذكورة أن ينال من حسن سير العدالة وضمان استقلالها وحيادها”.
وفي ختام المذكرة، أوضح مستشارو المحكمة العليا، أنه “نظرا لحرصنا على حسن سير مرفق القضاء والذوذ عنه ليبقى نبراسا وملاذا آمنا لمن يستحق الحماية القضائية لحقه وضمان استمرار المحكمة العليا كصمام أمان لسلامة العمل القضائي فإننا رأينا من واجبنا المهني والوطني ضرورة التنبيه على هذه المحاذير وكلنا ثقة في أن يلقي هذا التوضيح صدى لكم لما سمعناه منكم علي المنابر من إحترام خصوصية السلطة القضائية وضمان استقلالها وهو ما يتعارض مع تم عرضه اليوم من مقترحات”.
الوسوم