سرت… كشمير ليبيا
عمار الطيفهل ستكون منطقة سرت، أو المنطقة الوسطى بحدودها التي قد تضيق وقد تتسع، حسبما يراه السيد الأجنبي الذي تشابكت خيوطه وضاقت على رقاب ليبيا الشعب والوطن.هل ستكون كشمير أخرى أو مسمار جحا الذي غرسه المستعمر. الإنجليزي عندما قسم شبه القارة الهندية إلى الهند وباكستان؟؟؟، كان ذلك في أغسطس عام 1947 يوم إعلان استقلال الهند، لتتبعه باكستان بإعلان استقلالها ضمن منظومة الكومنولث بيوم واحد من ذلك العام.الهند ذلك البلد العظيم ثاني دولة في عدد السكان بالنسبة للعالم، والسابع من حيث المساحة، اضف إلى ذلك باكستان. حيث رأى المستعمر تشرشل في ذلك الوقت، أن شبه القارة الهندية ستكون قوة عظمى في مستقبل الأيام في منطقة غير مستقرة سياسيا، ومن ثم لابد من دق إسفين في جسمها يُضعف من قدراتها ويمنع توحيدها.وقد جاء الاستقلال بعد سنوات عديدة كانت الهند فيها مخزن ومصدر الغناء للإمبراطورية البريطانية. وبعد كفاح طويل وتضحيات جمة قدمها الشعب الهندي على مذبح الحرية. أراد الإنجليز أن يكون ذلك الاستقلال منقوصا بدق إسفين الخلافات الدينية بين قادة مرحلة تحرير شبه القارة الهندية.عندما دب الخلاف بين محمد على جناح وجواهر لال نهرو بعد فوز مجلس الشيوخ بقيادة نهرو، في أغلب المحافظات الهندية في انتخابات 1937 والموافقة على دولة علمانية قومية. وضعف وتراجع التحالف الإسلامي بقيادة محمد على جناح في حركة تحرير شبه القارة. رغم الجهود المضنية للمهاتما غاندي العظيم الذي كان له الدور الفعال في الاستقلالولكن رغم حجم غاندي ووزنه، تَغلب جناح الانفصال على جناح الوحدة وولدت دولتان بدل الواحدة، وتم زرع ولاية كشمير بحكم ذاتي وسلطات لها الاستقلالية، تجذبها الهند مرات وتجذبها باكستان مرة أخرى، لتشهد تلك المنطقة خمسة حروب منذ عام 1947 بين دولتين تملكان القوة الذرية.استطاع البريطانيون ومنذ عام 1942 م، ضرب حركة تحرير الهند عن طريق تعميق الخلاف بين حركة مجلس الشيوخ التي يتزعمها جواهر لال نهرو ورفيقه في النضال محمد على جناح، زعيم التحالف الإسلامي. وفشلت محاولات تقاسم السلطة بين مجلس الشيوخ والتحالف الإسلامي.ذلك الفشل، الذي قاد الى تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947 الدموي الذي مات فيه مليون مواطن وهُجر عشرات الملايين وفصل إقليم كشمير عن أي من الدولتين الناشئتين بتركيبته البشرية المختلطة بين الهندوس والمسلمين شأنه شأن عموم الهند لغاية في نفس تشرشل. وهي خلق بؤرة صراع دائمة بين الهنود والباكستانيين.ذلك درس تاريخي لمن يريد أن يتعظ ويحافظ على وحدة بلده وشعبه في ضوء أزمات ترمي بثقلها في الصراع الدولي وبالرغم من الفارق في عناصر القوة بين ليبيا والهند، إلا أن اوجه التشابه السياسية في الحالتين كثيرة.وبالرجوع إلى المشكلة الليبية، ومحاولة كشمرة سرت، كان بياني السراج وعقيلة يتفقان في الجوهر مع بعض الاختلافات الشكلية. فالبيانان لم يلغِ أيا منهما وجود أي حكومة وجيشها وأجهزتها في طرابلس أو بنغازي، وكل ما تم الكلام حوله هو العمل على وجود حكومة ثالثة في أرض ذات فراغ سكاني وتحوي أغلب ثروة ليبيا النفطية بأجهزتها المستقلة وإدارتها المستقلة.وتلك خطوة تقود لرؤية ثالثة، وقد تصبح إقليما أو دولة مستقلة عند أول إرادة دولية كما يحلو لليبيين في فبراير تسميتها. لقد علمتنا السياسة الغربية إطلاق بالونات نعتقد أنها فارغة، لتصبح أمرًا واقعا في مُقبل الأيام.ومن ثم فإن هذا التقارب الشكلي الذي عبرا عنه البيانيين بأسلوب مختلف ومضمون قد يكون واحدا إذا تم قرأته بشكل محايد. بالرغم من أن الطرفين في فبراير لديهم تجربة سيئة في إصدار البيانات والبيانات المضادة ومناورات سياسة تمتلي بالخبث السياسي دائما أو إرضاء لحلفاء أجانب في بعض الأحيان.وعليه فإن قراءة عميقة للبيانين تضع المحلل تحت انطباع، محاولة استبعاد قيادة الجيش من الحوار أو الحل السياسي والدفع برئيس مجلس النواب عقيلة صالح لواجهة الحوار، وما يترتب على ذلك من مؤامرة تقود إلى التصدع لهذه الجبهة التي اعتمدت على التلاحم بين مجلس النواب والقوات المسلحة. وتغييب للطرف القوي والصلب تجاه المشروعات الإخوانية القطرية التركية.وبالمقابل تمتين محور «الإخوان السراج» تحت الضغط التركي الذي يقود العملية السياسية والعسكرية بوصفه يشكل قيادة للإخوان وحليف لحكومة يرى فيها الغرب نتاج الصخيرات. وفي ضوء توازن مخل لميزان القوة العسكرية.ومن ثم وفي ضوء التصدع الوطني وغياب القيادات الوطنية، فإن طرح مشاريع التسوية التي لم تعبر أو تكون نتاج لحوار مجتمعي ليبي، ستكون خطيرة النتائج على الوحدة الوطنية، وصون الاستقلال وحماية الأراضي الليبية.