أخطر تحقيق يكشف فظائع مراكز احتجاز المهاجرين وفضائح مفوضية اللاجئين وتجار البشر في ليبيا «1 – 4»
يتعرض المهاجرون واللاجئون لأهوال لا يمكن تخيلها أو وصفها، وذلك منذ اللحظة التي يدخلون فيها ليبيا، وطوال فترة إقامتهم في هذا البلد، وأثناء محاولاتهم المتلاحقة لعبور البحر الأبيض المتوسط، كما يتعرضون لسلسلة مروعة من الانتهاكات والاعتداءات التي يرتكبها عدد من موظفي “حكومة الوفاق”، وأفراد مليشياتها المسلحة، والمهربين، وتجار البشر ضد المهاجرين واللاجئين، وتشمل هذه الانتهاكات والتجاوزات عمليات القتل خارج نطاق القانون، والتعذيب، والاحتجاز التعسفي، والاغتصاب الجماعي، والرق، والسخرة، والابتزاز.وفي هذا الشأن ترجمت «الساعة 24» أخطر تحقيق يكشف فظائع مراكز احتجاز المهاجرين، وفضائح مفوضية اللاجئين، وتجار البشر في ليبيا، وستقوم بنشره في أربعة أجزاء متتالية.التحقيق الذي أجرته “يورونيوز” وترجمته للعربية «الساعة 24» جاء فيه: في الثالث من أكتوبر من كل عام تحيي مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “ذكرى جميع ضحايا الهجرة وتعزيز مبادرات التوعية والتضامن”، ومع أخذ هذا الشعور بعين الاعتبار، أجرت “يورونيوز” تحقيقًا في عمل المفوضية في ليبيا، حيث يعيش عشرات الآلاف من المهاجرين في مراكز الاحتجاز، على أمل أن يصلوا إلى أوروبا.نكتشف مدى الإهمال من حيث الرعاية، حيث ينتظر المهاجرون معالجتها، وهذا يدفعنا للسؤال لماذا لا تستطيع الوكالة الإنسانية التابعة للأمم المتحدة الوصول المطلوب إلى ليبيا عندما تعمل المنظمة الأم – الأمم المتحدة – مع الحكومة التي تتخذ من طرابلس مقراً لها. نسأل لماذا يوجد نقص شديد في الشفافية المحيطة بعمل الوكالة، كما نتحدث مع بعض المهاجرين المشاركين في العملية ونسمح لهم برواية قصصهم.التدوينة التي جعلتنا نفكرفي أغسطس الماضي، أثارت عدة تويتات أرسلها المبعوث الخاص للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين في وسط البحر المتوسط فنسنت كوشيل، أكثر من تساؤل.أولاً أعرب عن قلقه بشأن ما سماه “تطرف الأحلام المهاجرة”، ثم أضاف أنه “من غير الطبيعي” أن يرفض بعض اللاجئين دروس اللغة والتدريب لمجرد أنهم يريدون فقط الذهاب إلى الاتحاد الأوروبي.وقال في وقت لاحق، إنه أسيء فهمه. ومع ذلك ، فإن السؤال الذي المطروح هو: لماذا تتهم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الأشخاص الخاضعين لصلاحياتهم، والأشخاص المحتاجين إلى الحماية الدولية، بأن لديهم آمال غير واقعية لسلامتهم؟ووفقًا للمصادر التي تعرف آليات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن تصريحات المبعوث الخاص تشير إلى بعض الأشياء ومنها:الإحباط المتزايد بسبب الوضع المستمر في ليبيا.الواقعية السياسية.تحول تدريجي نحو الاتجاه السياسي لثاني أكبر مانح لها وهو الاتحاد الأوروبي.UNHCR in Libya Part 1: From standing #WithRefugees to standing #WithStates: is UNHCR a "fig leaf" for the EU in Libya? https://t.co/cfL8fYajbf— euronews (@euronews) October 2, 2019 ليبيا، الهجرة، المعايير وحقوق الإنسانأولاً، يمول الاتحاد الأوروبي صندوق الاتحاد الأوروبي الاستئماني لأفريقيا، ويعتمد على المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لضمان توافق نظام إدارة الهجرة واللجوء في ليبيا مع المعايير الدولية الرئيسية وحقوق الإنسان. وفي هذا الصدد أخبر متحدث باسم الاتحاد الأوروبي يورونيوز: “وكالات الأمم المتحدة هي شريكنا الرئيسي في عملنا في ليبيا بشكل أساسي لحماية المحتاجين”.ثم هناك حكومة ليبية غير فعالة “واحدة من اثنتين” تدعمها الأمم المتحدة، لكنها لا تعترف بمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين- وهي وكالة الأمم المتحدة ذاتها- التي تعمل في البلاد دون مذكرة تفاهم.وأخيرًا، هناك أكثر من 50000 لاجئ وطالب لجوء مسجلين؛ الغالبية منهم 91٪ يعيشون في مناطق حضرية، بينما يُقدر أن 4673 محتجزًا في 26-30 مركز احتجاز تديرها أطراف غير مرخصة، حيث تشكل انتهاكات حقوق الإنسان مشكلة يومية.هذا وتشير الدكتورة ميليسا فيليبس زميلة مساعدة في جامعة ويسترن سيدني الأسترالية وهي باحثة مستقلة في شؤون الهجرة، إلى أن السياق الذي يجب أن تعمل فيه وكالة الأمم المتحدة للاجئين: “هو وضع ضعيف ودون ضمانات مستمرة للأمن”.في خضم “المخاوف الشديدة حول قضية الهجرة” في أوروبا، التي مولت مراكز الاحتجاز سابقًا في ليبيا، لم ينظر أحد في النظام الذي يجب وضعه في البلاد. الجميع فقط في وضع رد الفعل. على الرغم من أنه قد لا يكون من الممكن بناء نظام للجوء في البلاد في هذا الوقت، يجب بذل جهود أكبر لإنشاء نظام للعمل على أرض الواقع. وهذا يشمل تأشيرات العمل والاعتراف بالعمل المؤقت للمهاجرين.هذا وتواجه مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي تدعي أنها لا تستطيع تسجيل سوى طالبي اللجوء واللاجئين الذين ينتمون إلى 9 جنسيات أو مجتمعات “عراقية، وسورية، وفلسطينية، وسودانية، وجنوب سودانية، وإريتريا، وإثيوبية، ويمنية، وصومالية” انتقادات من مختلف المنظمات غير الحكومية وحقوق الإنسان والنشطاء، لانعدام الشفافية فيما يتعلق بعملياتها في ليبيا.في شهر يونيو، قام الموظف السابق للمفوضية جيف كريسب، الذي يكتب حاليًا في مركز دراسات اللاجئين وتشاثام هاوس “المعهد الملكي للشؤون الدولية”، بطرح 20 سؤالًا لم تتم الإجابة عليها علنًا وقت كتابة هذا التقرير في سبتمبر، والتي من بينها:هل سبق أن رأت المفوضية أي دليل على إساءة معاملة الناس من قبل خفر السواحل في عملية الاعتراض والعودة؟ما هي درجة الوصول التي تتمتع بها المفوضية إلى اللاجئين والمهاجرين المحتجزين؟هل تم رفض الوصول في أي وقت مضى، وإذا كان الأمر كذلك، على أي أساس؟هل تستطيع المفوضية القيام بزيارات غير معلنة لمراكز الاحتجاز؟هل تلقت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أدلة على أن المحتجزين تعرضوا لطلب للفدية أو تعرضوا للعمل القسري أو تعرضوا للتعذيب أو البيع؟هل سبق أن تلقت المفوضية أدلة على أن المهربين والمتاجرين يعملون في مراكز الاحتجاز؟تعكس هذه الأسئلة المخاوف الحقيقية التي أعرب عنها هؤلاء المهاجرون المحتجزون في مراكز الاحتجاز، والتي أتيحت ليورونيوز فرصة التحدث إليها، حيث يتهم هؤلاء المهاجرون الموظفين الليبيين في وكالة الأمم المتحدة بإهمالهم، والتأخير الشديد في إجراءات التسجيل، والتواطؤ مع رؤساء مراكز الاحتجاز إلى حد التستر على انتهاكاتهم.إطلاق النار.. أو لا شيء على الإطلاق؟عندما اندلعت ثورة في أبريل عام 2019 في منشأة قصر بن غشير بالقرب من طرابلس، وصف اللاجئون تعرضهم لإطلاق نار عشوائي من قبل الميليشيات، وفي تلك الأثناء أرسلت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين- التي قالت إنها أخلت 325 شخصًا- ذلك البيان الصحفي الذي يشير إلى أن الأسلحة أطلقت النار في الهواء. ومع ذلك، خلصت كل من منظمة “أطباء بلا حدود” ومنظمة العفو، إلى أن المهاجرين قد تكبدوا بالفعل إصابات بطلقات نارية، ودعوا إلى إجراء تحقيقات في جرائم الحرب في الحادث. لقد تم سؤال مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ولكنها لم ترد على يورونيوز حول سبب نشرها بيانًا صحفيًا ينكر هذا بالتحديد.ونُقل اللاجئون فيما بعد إلى مركز احتجاز في مدينة الزاوية، والذي تديره الميليشيات، حيث أبلغوا عن التعذيب والابتزاز في المركز. هنا، في يونيو الماضي، تم إطلاق النار على مجموعة أخرى من الناس أثناء الاحتجاج على حرمانهم من الطعام من قبل الميليشيات المسيطرة.ويعرف هذا المركز، الذي تعمل فيه المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، بصلاته بوحدة لخفر السواحل الليبي وتديره “كتيبة النصر” السيئة السمعة، والتي يخضع زعيمها محمد كشلاف لعقوبات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن الاتجار بالبشر. ووفقًا لما قاله جيروم توبيانا وهو باحث يعمل على الهجرة من جنوب الصحراء الكبرى، فإن توافق المفوضية مع سياسات الاتحاد الأوروبي “يبدو أنه يتناقض مع سياسات الأمم المتحدة العالمية، لأن الاتحاد الأوروبي ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يعتبران أنه من المقبول العمل مع كتيبة النصر في الزاوية، على الرغم من أن قادتها يخضعون لعقوبات الأمم المتحدة: ولهذا فإن التعاون مع قواتهم قد يشكل انتهاكًا للعقوبات”.ومن جهته أدلى متحدث باسم الاتحاد الأوروبي، عند تقييمه للتحقيق الذي أجريناه، بعدد من التعليقات، أحدها استنكار “كتيبة النصر” المذكورة.وقال المتحدث: “الاتحاد الأوروبي لا يدعم كتيبة النصر، وقد عملنا عن كثب مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لتمديد العقوبات على المتجارين بالبشر بموجب أنظمة الأمم المتحدة”، وأضاف أنه “لا يوجد أي من خفر السواحل الذين دربتهم عملية صوفيا على قائمة عقوبات الأمم المتحدة”.ومن جهته يلاحظ تشارلي ياكسلي الناطق الرسمي باسم المفوضية في إفريقيا والبحر المتوسط ليبيا، الصعوبات في تنسيق أي نوع من العمليات في ليبيا.وقال ياكسلي: “إن العمل الذي يمكننا القيام به في مراكز الاحتجاز محدود، حيث تديرها السلطات الليبية، وإمكانية وصولنا لهذه المراكز مقيدة، وتقتصر على إجراء عمليات التسجيل، وتقييمات الحماية، والإحالات الطبية والعلاج الطبي، وتوفير مواد الإغاثة الأساسية.. يتم تنسيق الزيارات إلى مراكز الاحتجاز مقدمًا، والزيارات دائمًا يتم الإعلان عنها، ويجب منح الوصول إلى فرق المفوضية مسبقًا.. لا تعتبر المفوضية أن مراكز الاحتجاز آمنة للاجئين”.فكيف يمكن حل هذا؟ تعترف الأمم المتحدة بحكومة الوفاق الوطني في ليبيا، وبالتالي إذا كانت “السلطات الليبية” تدير المراكز، ألا ينبغي أن تحصل وكالة الأمم المتحدة على وصول أفضل؟ لا يخجل “ياكسلي” من الاعتراف بأن “الوضع داخل مراكز الاحتجاز مروع”، فأين هي الخطة؟وتشمل الاتهامات الأخرى من مصادر داخل ليبيا وخبراء المساعدات الدوليين: “التمييز ضد المهاجرين الذين يعيشون في سياق حضري، الفساد في مرافق الإخلاء، سوء إدارة عمليات التحقق، نظام الحماية على أساس الجنسيات – خلق المحسوبية، مئات من رسائل المهاجرين تركت دون إجابة، أجهزة الكمبيوتر المحمولة المشتراة بأسعار مضخمة- بعضها أكثر من 5800 دولار أمريكي”، وسيتم مناقشة كل جزء لاحقًا.ثلاثون سنة لإعادة التوطين؟!تكمن موهبة المفوضية الأكثر فعالية في إجلاء اللاجئين من ليبيا، ومع ذلك، “منذ أن بدأت عمليات إعادة التوطين من ليبيا في أواخر عام 2017، تمكنت من إعادة توطين حوالي 2000 شخص في العام، مما يعني أن الأمر سيستغرق منهم 30 عامًا لإعادة توطين جميع الذين سجلوا بالفعل”، كما يقول جيروم توبيانا.وهذا يرجع إلى حد كبير إلى سياسات الاتحاد الأوروبي، وبسبب عدم وجود منافذ في أوروبا، تعطي المفوضية العليا للاجئين في ليبيا الأولوية “لأولئك الذين يعتقدون أنهم الأكثر ضعفًا، والأطفال، والنساء، والعائلات. وبالنسبة إلى الرجال البالغين غير المتزوجين، حتى في الحالات السياسية للغاية التي من المحتمل أن تعني العودة إليها إلى الوطن الاعتقال أو الموت، فإن إعادة التوطين تبدو شبه مستحيلة”.علاوة على ذلك، تواجه مثل هذه الحالات أيضًا حقيقة أن موظفي المفوضية في ليبيا لا يعرفون سوى القليل عن السياق المعقد في بعض الدول مثل إريتريا أو دارفور. ففي الممارسة العملية، يتم التخلي عن المعايير الأساسية للجوء السياسي لصالح اختيار يعتمد على أعداد وأنواع الأفراد التي يقبلها الاتحاد الأوروبي. في الواقع، ليست مطالب طالبي اللجوء “جذرية” على الإطلاق، فهم يطلبون فقط من المفوضية أن تفي بولايتها بشكل صحيح، وتحترم المبادئ ذاتها التي تبرر وجودها، وفقًا لتوبيانا.يتمثل تفويض مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في إيجاد حل للاجئين، ولكن ليس بالضرورة أن يكون المهاجر قانعًا به. عليها ببساطة إيجاد حل آمن. ووفقًا للمصدر فإنه “ينشأ الإحباط من هنا”، حيث إنه “في بعض الأحيان لا يكون ما يريده اللاجئون”.تقول ميليسا فيليبس، إن جميع الأدلة تشير إلى حقيقة أن المهاجرين في ليبيا يستخدمون الهواتف الذكية، ويعرفون جيدًا قصصًا مثل قصة رهف القانون، الفتاة السعودية التي مُنحت حق اللجوء على الفور في كندا بعد أن حصرت نفسها في أحد فنادق المطار في تايلاند. “يرى اللاجئون هذا ويرسل إليهم رسالة ذات بعد مختلف” في سياسات إعادة التوطين التي تقوم بها المفوضية، والتي احتفلت بها كقصة نجاح. “لدى الناس طموحات ورغبات، قد تكون هذه الأحلام غير ملائمة لنا”.عاجزةتقول جوليا ترنتشينا محامية الهجرة في لندن التي عملت لسنوات مع طالبي اللجوء في ليبيا، ليورونيوز “يمكنني أن أؤكد أن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ليس لديها أي سلطة لوقف أو منع عمليات التعذيب والاغتصاب المروعة التي يتعرض لها اللاجئون في مراكز الاحتجاز الرسمية”.وتضيف قائلة: “إن حوادث التعذيب الواسعة النطاق والتجويع المتعمد وجرائم الحرب المرتكبة ضد المهاجرين المحتجزين واللاجئين في ليبيا، كما هو موثق في تقارير المفوضية السامية لحقوق الإنسان، تُظهر بوضوح كيف أن المفوضية ليست في وضع يمكنها من تحسين الظروف في مراكز الاحتجاز، وكيف أن تمويل أوروبا ودعمها للسلطات الليبية يرقيان إلى درجة التواطؤ في هذه الجرائم.. إن ادعاءات الاتحاد الأوروبي بأن التمويل المقدم للمفوضية يهدف إلى تحسين الظروف في هذه المراكز لا يتم هدمه فقط من خلال الأدلة، ولكن أيضًا من خلال بيانات مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، التي تؤكد باستمرار أنها لا تدير مثل هذه المراكز، وغالبًا ما لا تستطيع الوصول أو الحصول على التصريح من قبل السلطات لمساعدة اللاجئين المحتجزين”.تتبع المالإذن ما الذي يجري داخليًا في المفوضية؟ أخبرنا أستاذ حقوق الإنسان “تتبع المال هو دائمًا قاعدة جيدة”، في إشارة إلى هذه القضية.حيث يأتي معظم تمويل المفوضية من عشرات الدول المانحة الرئيسية، لكن مستوى هذا التمويل لم يواكب الأعداد المتزايدة التي من المتوقع أن تدعمها المفوضية، كما يقول جيف كريسب المسؤول السابق للمفوضية، ويتم توفير حوالي 90% من تمويل الوكالة من الدول، ويتكون مجلس إدارة المفوضية بالكامل من الدول.هذا ويعتقد مصدر مطلع، أن المفوضية تخشى فقدان التمويل من الولايات المتحدة (أكبر مانح لها إلى حد بعيد، حيث تساهم بأكثر من 40٪ من ميزانيتها وحدها)، وبالتالي تحاول توثيق التراصف مع الاتحاد الأوروبي.ففي العام المالي 2018، بلغت مساهمة الولايات المتحدة للمفوضية أعلى مستوى تاريخي بحوالي 1.6 مليار دولار، بزيادة 0.2 مليار دولار عن عام 2017، عندما هددت إدارة ترامب بتخفيض تمويل الأمم المتحدة بنسبة تصل إلى 50%. لكن في النهاية، قررت الولايات المتحدة تجنيب المفوضية وقطع دعمها للأونروا فقط (وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين). وبالنسبة لعام 2019، خفضت الولايات المتحدة بشكل طفيف تعهداتها بأموال للمفوضية، وفي وقت كتابة هذا التقرير ساهمت بالفعل بما يصل إلى 70 أو 80٪ منه.“من الصعب دائمًا التنبؤ بما إذا كانت الدول ستمول المفوضية بالفعل إلى المستوى الذي التزمت به في المقام الأول. لكن من المؤكد، أنه بين عامي 2015 و2018، ازدادت مساهمة الاتحاد الأوروبي في عمل المفوضية بنسبة أكبر بكثير من مساهمة الولايات المتحدة التي ظلت، في المتوسط، مستقرة إلى حد ما خلال تلك الفترة الزمنية”، وفقًا لتحليل ماريون فريسا أستاذ أنثروبولوجيا المساعدات الدولية في جامعة نوشاتيل.ويضيف ماريون فريسا: “ومع ذلك، فإن هذا أقل بسبب رغبة المفوضية في أن تكون أقرب إلى الاتحاد الأوروبي، ثم إلى الطريقة التي يتعامل بها الاتحاد الأوروبي مع ما يسمى أزمة اللاجئين منذ عام 2015، من خلال تمويل جهاز أمني إنساني دائم التوسع لاحتواء المهاجرين عند حدودها وتجسيد حماية اللاجئين إلى البلدان المجاورة لها، وهي جهاز تعتبر المفوضية جزءًا منه”.على مدار العشرين عامًا الماضية، حاولت الوكالة تنويع مصادر تمويلها من خلال بناء شراكات مع الشركات متعددة الجنسيات مثل شركات (ميكروسفت أو نايكي أو إكيا) مؤخرًا، وجمع الأموال من المؤسسات الخاصة والمنظمات غير الحكومية وعامة الجمهور. كما حاولت إقناع الدول المانحة غير التقليدية مثل قطر أو المملكة العربية السعودية أو كوريا الجنوبية أو الصين بالمساهمة في عملها. “ومع ذلك، فإن الجزء الأكبر من ميزانية المفوضية لا يزال يعتمد على نفس البلدان الرئيسية، ولم تؤدي جهود التنويع بالضرورة إلى أن تكون الوكالة أكثر حيادية أو أقل تسييسًا”، وفقًا لماريون فريسا.“أولاً، نظرًا لأن المفوضية لا تزال، على أي حال، منظمة حكومية دولية، وعلى هذا النحو، فإن مهمتها كانت دائمًا تتشكل من خلال شواغل الدول ورؤية الدولة المتمحورة حول اللاجئين باعتبارهم مشكلة”.ثانياً، للوفاء بتفويضها (ضمان الحق في التماس اللجوء والبحث عن حلول للاجئين)، تعتمد المفوضية على رغبة الدول في التعاون، وبالتالي فهي تحتاج باستمرار إلى الدخول في مفاوضات سياسية شديدة معهم.ثالثًا، بناء شراكات مالية مع جهات فاعلة أخرى أو دول، على سبيل المثال، لا تعني أن المفوضية ستكون أقل سياسية: قد يكون للتمويل المخصص من الشركات الكبرى أيضًا بعض الآثار السياسية المهمة، مثل تحويل اللاجئين إلى سلع أو تحويل حماية اللاجئين إلى اقتصادية وليس قضية سياسية أو إنسانية. لذلك، فإن تنويع مصادر تمويلها لا يجعل المفوضية بالضرورة “أكثر حيادية” أو “غير سياسية”. وبمرور الوقت، أصبحت المفوضية بالفعل لاعبًا سياسيًا بحد ذاتها ضمن المجال المعقد لإدارة الهجرة، وتدافع عن مصالحها التنظيمية ورؤى ما ينبغي أن تكون عليه حماية اللاجئين.إن فكرة وجود هيئة إنسانية يجب أن تصبح لاعبًا سياسيًا لكي تعمل في إطار هياكل السياسة الدولية ليست مفاجئة، لكن الأمر يستحق دراسة مدى تأثير هذه المناورة الحتمية على قدرتها على الوفاء باختصاصاتها.فمنذ إنشائها، كان الهدف الأساسي للمفوضية هو مساءلة الدول الموقعة على اتفاقية اللاجئين لعام 1951 عن التزاماتها الدولية. وهذا يعني مراقبة جهود الدول للامتثال للقانون الدولي للاجئين، ووضع معايير لإرشادهم في جهودهم لتطوير أنظمة اللجوء الوطنية.هل مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين “ورقة تين” للاتحاد الأوروبي؟كما أظهر ساندفيك وجاكوبسون في المجلد المحرر “مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والنضال من أجل المساءلة” (2016)، تم إجراء إصلاحات هيكلية وإدارية طموحة في أوائل الألفية الثانية لتحسين مساءلة المفوضية تجاه الجهات المانحة والمستفيدين. ومع ذلك، كان لهذا آثار غير مقصودة لجعل المنظمة أكثر بيروقراطية، “وبالتالي، يثير تحديات جديدة فيما يتعلق بخطر تحويل حماية اللاجئين إلى مجرد مسعى تكنوقراطي، وليس قضية سياسية”، كما يبين ماريون فريسيا.ويقول مصدر مؤهل، يفضل عدم الكشف عن هويته: “أعتقد أن مفوضية شؤون اللاجئين أصبحت تدريجيًا أقل أهمية في السنوات الأخيرة.. التركيز على تسويق العلامات التجارية وتأييد المشاهير بدلاً من التركيز على اللاجئين كما ينبغي أن يفعلوا”.ونقلت مؤسسة ديفيكس للتنمية الإعلامية عن جيمس هاثاوي مدير برنامج قانون اللاجئين واللجوء في كلية الحقوق بجامعة ميشيجان، قوله إن اتفاقية اللاجئين التي تنفذها المفوضية هي اتفاقية الأمم المتحدة الوحيدة التي لا تتمتع بسلطة إشرافية مستقلة، وهذا جزء من مشكلتها.ويعتقد عامير شاتس محاضر في القانون الدولي بمعهد باريس للدراسات السياسية، الذي رفع قضية قانونية لمقاضاة الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه أمام المحكمة الجنائية الدولية، يعتقد أن “الوقت قد حان لكي تظل المفوضية محايدة وتتوقف عن العمل بمثابة ورقة التين للاتحاد الأوروبي في معسكرات الاعتقال الليبية والبحر الأبيض المتوسط.. الوضع قيد التحقيق في المحكمة الجنائية الدولية وجميع الفاعلين المعنيين، بما في ذلك وكلاء الأمم المتحدة، قد يخضعون للمساءلة”.يتم تقاسم نفس الأمل من قبل جوليا ترنتشينا: “يجب على حكومات الاتحاد الأوروبي التوقف عن الاختباء وراء وجود المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على الأرض”، وتوبيانا: “يبدو أن المفوضية تتخلى تدريجيًا عن الدفاع عن قانون اللجوء، وتتماشى مع سياسات الاتحاد الأوروبي الرامية إلى منع المهاجرين واللاجئين من التنقل بين الجنوب والشمال، من إفريقيا إلى أوروبا، ودفعهم إلى الجنوب قدر الإمكان، وتوفير مصادر مراقبة الهجرة إلى الحكومات الأفريقية، دون الاكتراث لسجلاتهم الضعيفة في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان”.ومن جهته، قدم كوشيتيل نفسه دليلًا على أن المفوضية تضاعف جهودها لتقديم حلول للمهاجرين قبل وصولهم إلى ليبيا: “يجب أن نجعل إعادة التوطين تعمل بشكل أفضل في أول بلد لجوء ويجب أن نزيل جميع حوافز اللجوء الثانوي”.Risking your life in the jungle. You may flee from wars or other good reasons, but these expensive and dangerous journeys do not make sense. They testify on how people are desperate & determined to move, but protection is available closer to home. https://t.co/LPuyGCkW90— vincent cochetel (@cochetel) September 13, 2019